الخميس، 28 مارس 2013

يوسف بلكا:الشهيد البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي وانتصار أنوال…



بقلم: يوسف بلكا ( باحث في الثقافة الشعبية )
أعده للنشر:  عبد الله يعلى
بمناسبة الذكرى الخمسينية لرحيل زعيم التحرر والبطل المغوار مولاي موحند، كتبت هذا المقال كي أشيد بهذا الزعيم الفريد المنفي حيا وميتا، والذي يتجسد في علاقته الوطيدة بمنطقة أنوال التاريخية.
إن الحديث عن علاقة المجاهد البطل مولاي موحند بمنطقة أنوال، قد يقودنا في الوهلة الأولى إلى مرحلة ما قبل الثورة، ونعني بذلك الفترة التي كان فيها صحافيا وقاضيا ومدرسا في مدينة مليلية، وفي هذه المرحلة بالضبط تؤكد مجموعة من الروايات الشفوية الصحيحة ، والتي رويت عن أكثر من شيخ مسن، وتشير إحدى هذه الروايات التي أمدنا بها أحد الشيوخ المسنين في أنوال، وقد يتجاوز الثمانين من عمره، إذ يؤكد أن والدته أخبرته أن الزعيم ” مولاي موحند “، عندما كان يذهب إلى مدينة مليلية أو يعود منها كان يمر بقرية أنوال، وكان يستقر أو يمكث يومين أو ثلاثة للاستراحة والاستكشاف، وكان يفضل زاوية “سِذْي مْبَاشْ” المتواجدة في أنوال، بحيث كان هذا المكان مزارا لجميع أبناء المنطقة، إما لطلب الاستشفاء أو لطلب الاستسقاء، وكانت زاوية سيذي مباش تعج بالزوار، لاسيما أن هذا الضريح المشيد يقع وسط سهل “رعراصي” في أنوال …
قد عرفنا بالمكان الذي كان يمكث فيه مولاي موحند في منطقة أنوال، وتحكي نفس الرواية أنه لازال هناك شجرة تين من نوع “الشتوي” التي كان مولاي موحند يستظل بها في لحظة تأمل، وكان يأكل منها بين الفينة والأخرى، وهذه الرواية سمعتها بنفسي من ذلك الشيخ، وذهبت إلى ذلك الضريح، فوجدت ذلك المكان مناسب جدا لكي يستريح فيه مولاي موحند من رحلة من وإلى مليلية، مرورا بأنوال حتى مسقط رأسه بأجدير، وتحكي نفس الرواية أن مولاي موحند كان يفضل أكل البطاطس المسلوقة أي المطبوخة في الماء مع شيء من الملح، وكان لا يأكل اللحم كثيرا…
نعود للاستنتاجات فيتضح من خلال هذه الرواية أن مولاي موحند كان يعرف منطقة أنوال معرفة جيدة، وكان عليما بتضاريسها و وديانها وأماكنها الإستراتيجية، كما أنه كان على علم بطريقة تفكير أهل المنطقة، مادام أنه قد احتك بهم قبل الثورة بسنوات عديدة، وهناك روايات كثيرة جدا سأكتفي بالتلميح إلى ماجاء فيها، ونحن نثق بها لأنها متوارثة أبا عن جد، وكل راوٍ التقينا به إلا وأكد لنا نفس الحقيقة، وخلاصة القول أنه في أنوال لا يخلو بيت من روايات شفوية صحيحة حول فصول حرب الريف، ونحن اليوم لا نكتفي بالكتب والمؤلفات بل نتجاوز هذا النقل إلى الإستفسار والتنقيب على مضامين الروايات، التي قد تضيف حقائق مذهلة ومدهشة إلى تاريخنا، الذي نعرف أنه تاريخ مزيف ولم يكتب بموضوعية، كما يؤكد ذلك، الباحث علي الإدريسي في كتابه “عبد الكريم، التاريخ المحاصر” هذا التزوير الفظيع للحقائق التاريخية المرتبطة بمنطقة الريف، أو بشخصية مولاي موحند…
وهذا ما دفعنا إلى التنقيب عن الروايات الشفوية، وذلك لاستخلاص عصارة التجربة الريفية الثائرة، والتي لقنت لشعوب العالم دروسا مهمة في المقاومة والتحرر من فظاعة الاستعمار الغاشم .
أعود إلى الرواية الشفوية المتعلقة بمنطقة أنوال…، فهناك رواية تؤكد أن المسجد العتيق بأنوال، هو مكان قد صلى فيه المجاهد مولاي موحند عدة صلوات مع جماعة من المجاهدين الريفيين عقب الأيام التي تلت معركة أنوال الخالدة، حيث كان المجاهدون يعكفون على جمع الغنائم الحربية وإحضارها إلى مولاي موحند، للنظر في شأنها، وهذا المسجد مازال كائنا قائما، ولكنه تعرض للإهمال والتخريب مما يقودنا إلى التساؤل حول مصير آثارنا العظيمة، المآثر التاريخية بمنطقة الريف التي تعرضت للإهمال، وعدم الترميم والاهتمام، بل تركت لتواجه مصيرها أمام قوى الطبيعة كي تواجه نهايتها المأساوية في أسوء حالة يمكن تصورها.
هناك تأكيد قطعي أن المجاهد الغيور السيد ” شعيب أحمو أنبركا ” كان قائد المائة في جيش محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة أنوال، ومازل أحفاد المقاوم المشهور في المنطقة، يؤكدون هذه الحقيقة باعتزاز وافتخار، وهناك الفقيه العلامة السيد ” سي موحند أوحمو انبركا ” حيث عينه مولاي موحند في منصب الناظر في بودينار، وكان دوره جمع “الترتيبة” أي الضريبة التي كان يدفعها الريفيون تطوعا لتمويل الدولة الريفية الحديثة آنذاك، ولازال أحفاد الشيخ العلامة في أنوال يؤكدون هذه الحقيقة، وهم يتوارثونها أبا عن جد، هنا نقف أيضا إلى مدى أهمية الرواية الشفوية التي تختزن في طياتها أعدادا كبيرة من الحقائق التاريخية الغائبة كليا عن ما هو مكتوب حاليا …
نقول في هذا العدد أن علاقة البطل مولاي موحند بأرض أنوال هي علاقة متجددة قطعت عدة أشواط حتى وصلت إلى مرحلة الإشعاع، وذلك بعد الانتصار الساحق الذي حققه المجاهدون فوق هذه الأرض المباركة، ولا شك أنه بعد اجتماع الريفيين في أعلى قمة جبل القامة ” رقامث ” لأداء القسم واليمين من اجل الدفاع عن الدين و الأرض و العرض، لاشك أنه قد حملهم ذلك على التفكير بجدية في مقاومة المستعمر، لاسيما عندما استقر الجنرال سيلفستري مع جنوده في منطقة أنوال …، كان هناك إنذار قاطع من المجاهدين بعدم عبور سيلفستري وجيشه لواد أمقران ” إغزار أمقران “، فقد أنذروه بالحرب والمحرقة لو تجرأ على عبور إغزار أمقران، غير أن الغطرسة والسذاجة التي كان يمثلها الجنرال سيلفستري لأنه كان رجلا مزهوا بنفسه ومغرور، كان يقول أنه بعد يوم أو يومين سيشرب كأس شاي في منزل مولاي موحند في أجدير، لكنه قد شرب كأس الموت في أنوال.
بعد أن هاجم المجاهد الغيور الشيخ ” أعمار التمسماني “وابنه على مركز “أدهار أوبران”، الذي تجرأ سيلفستري، وأرسل إليه 5000 من العسكر على رأسهم القبطان ” أنواربا”، ولما وصلوا إلى قمة أدهار أوبران في 5000 جندي ملؤو الأكياس بالرمل وسيجو المنطقة بافتك الأسلاك الشائكة، مما يدل على أنهم قد أسسوا مركز فوق جبل أوبران، ثم عاد 4500 من هؤلاء الجنود إلى القلعة الكبيرة في أنوال وبقي في أبران 500 جندي بقيادة القبطان أنواربا، وبعد أيام قليلة هجم عليهم المجاهدين من كل مكان في أول معركة تحررية…
وكان على رأس المجاهدين الريفيين البطل الشيخ أعمار التمسماني وأبنه، الذي ترك كلمة مأثورة مخلدة عند هجومه الكاسح، حيث قال: “وَانِيْ وَايَمُوثََنْ خْسْرَكْ بُويْشُوكْضَانْ قَا يَدْجِيسْ عْمَاسْ أَتَمْرَاشْ” أي من لم يمت على السلك الشائك فإن ابنته سوف لا تتزوج، في إشارة إلى إقبال الناس على الزواج من بنات المجاهدين، الذين استشهدوا في المعارك، وفعلا فإن الرواية تؤكد أن الشيخ أعمار وابنه استشهدوا في تلك المعركة الخالدة، حامية الوطيس في أدهار أبران، حيث غنم المجاهدين العتاد والسلاح، وذلك لتسليح النواة الأولى للجيش الريفي، بعد ذلك هجم المجاهدين الريفيين على قلعة أمزوج في قرية إغريبن بتمسمان التي تبعد عن أنوال بحوالي 6 كلم، حيث حاصر المجاهدون قلعة أمزوج وقد استنجد الضابط العسكري المحاصر مع جنوده، بالجنرال سيلفستري المتواجد في قلعة أنوال، ووعده سيلفستري بفك الحصار عنه قريبا، وكان مركز مولاي موحند مع رفاقه في أَمْزَاوْرُو إحدى مداشر قبيلة تمسمان، قد تسلل إليه الخبر، أن سيلفستري عازم على فك الحصار عن صاحبه يوم غد في قلعة أمزوج، وجاء مولاي موحند بنفسه إلى المجاهدين المرابطين في أنوال، وبضابط قرب ضريح السيد “أبراهيم” المكان المسمى بـ ” ثرا نْعْبَارَحْمَانْ “أي عين السيد عبد الرحمان، فأطلعهم على الخطة حتى عاد مولاي موحند ليشارك بنفسه في تلك المعركة الشهيرة، ولكن نظرا لمحبة المجاهدين له، قالوا له اذهب إلى الوراء قم بتنظيم وتهيئ الخطط والتزويد بالمعلومات…
في صباح الغد أراد سيلفستري أن يفك الحصار على الجيوش المحاصرة في قلعة أمزوج بإغْرِيبْنْ، ذهب بكل قواته وعلى رأسهم العميل ” أَبْيَاعْ ” أي الجسوس “أْمُوحْ نَعْرِي بُو ثَانْشُوشْتْ”، وهو من رفع الراية الإسبانية، ولما وصلوا إلى ضريح سيذي أمحمد بأنوال قرب عين عبد الرحمان التي أشرنا إليها سابقا، حيث اختبأ المجاهدون…
في هذه الأثناء أمر مولاي موحند الجيوش الريفيين بعدم إطلاق ولو رصاصة واحدة حتى يتأكدو من إصابة العدو في جبهته، وهو يحثهم أيضا على التركيز وضبط النفس، فقام المجاهد البطل ” الراضي الزفزافي” وهو ينتسب إلى قبيلة أَيْثْ وَايِغَرْ، مفاجئً العدو برصاصة وطلقات نارية أصابت الجسوس المشار إليه فيما سبق في جبهته، وسقط قتيلا، وانقض عليهم المجاهدين فأردوهم جميعا، مابين قتيل وجريح، ولما رأى الضباط المحاصرون في قلعة أمزوج أن عملية إنقاذهم قد فشلت، هربوا من القلعة كحل أخير فقتلهم المجاهدون الريفيون، وحققو انتصارًا ساحقا في تلك المعركة التي سميت بـ “معركة سيذي أبراهم”، بعد ذلك هجم المجاهدون على القلعة الكبرى في أنوال، وقتل ما يزيد عن عشرين ألف جندي اسباني، وفي مقدمتهم قائدهم سيلفستري، الذي قتل في منطقة يطلق عليها “سيذي أْخْرِيفَ” وقتل الكولونيل مُرَالِيسْ المترجم بالجيش الإسباني، على سفوح جبال “إِسُومَارْ” في أنوال، وطرد المجاهدون الغُلول المنهزمة في أنوال، وفرو هاربين إلى قلعة جبل العروي، في عملية هروب لا توصف ولا يمكن للعقل أن يتصورها.
هزم المجاهدون بقايا الغلول، وأسرو الجنرال نَفَارُوْا، وطرد الريفيون الإسبان حتى أسوار مدينة مليلية، وقد أمرهم القائد الفذ مولاي موحند، بعدم قصفها تفاديا لإثارات تعقيدات دولية، وهو يعترف أن هذه غلطته الكبرى وندم عليها بمرارة.
لا يمكن الحديث عن الزعيم البطل مولاي موحند دون الحديث عن أنوال، بحيث بعد انتصار أنوال الساحق، دخل الريفيون إلى التاريخ من بابه الواسع، وكانت مدرسة عالمية تعلم منها ماوتسي تونغ و تشي غيفارا …، وخصص العديد من الأقلام لدراسة هذا الانتصار العظيم، وبعد معركة أنوال حصل المجاهدون على 200 مدفع من عيار 75 و 65 و 77 من نوع شْنَايْدَرْ، وأزيد من 20 ألف بندقية ومقادير لا تحصى من القذائف وملاين من الخراطيش والذخيرة وسيارات وشاحنات …، وأدوية وأجهزة التخييم، وكان لابد من إنشاء حكومة لتنظيم هذه الموارد، فأسست ” جمهورية الريف” لحمل مشعل المقاومة ولتنمية مناطق الريف المهمشة، وذلك لفتح أبواب التفاوض بين الحكومة الريفية والحكومة الإسبانية، لكن تحالفت القوى الإمبريالية الفرنسية والإسبانية، وذلك باستعمال أسلحة الدمار الشامل الفتاكة السامة الخانقة، ولازلنا نعاني من تبعات هذه الجريمة المحرمة دوليا إلى يومنا هذا، ولعل مناطق أنوال وتمسمان هي من نالت النصيب الأوفر من الغازات السامة، لكون المستعمر يحمل ضغينة الانتقام والثأر من هزيمة أبران و إغريبن و أنوال، التي قلبت نظام الحكم في إسبانيا، والتي أعتلى عرشها الدكتاتور بريْمِودي رِيفِيراَ، الذي علق دستور وألغى جميع الصلاحيات البرلمانية، ومن خلال هذا نتأكد أن تأثير معركة أنوال قد خلخل دواليب الحكم في النظام الإسباني، وبعد القصف الإسباني الفرنسي بالغازات الحارقة، اضطر الأمير مولاي موحند للاستسلام للجيش الفرنسي، متمنيا أن يبقى جزء من شعبه على قيد الحياة، بعد ضراوة المعارك السامة التي أحرقت الأخضر واليابس، الإنسان والحيوان…
لكن تبقى الثورة الريفية وزعيمها ومعاركها مخلدون على صفحات الأمجاد من كتب التاريخ، وقد سجلنا بدمائنا الطاهرة سطورا من ذهب من اجل الكرامة والحرية والاستقلال، ونجد اليوم مناطق الريف مهمشة ومقصية كليا، كما تتعمد السلطات المغربية الحالية، محاربة الريف بشتى الوسائل لمنعه من التقدم والتنمية …
عن موقع: أريفينو
http://www.ariffino.net/?p=125934

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق