السبت، 27 ديسمبر 2014

علي مزروعي رائد الفكر الإفريقي



 
علي مزروعي رائد الفكر الإفريقي.

 إلياس بلكا

في هذه الحلقات سيكون لنا موعد مع شخصيات علمية وفكرية متعددة نتعرّف عليها وعلى عطائها. والغرض من ذلك هو التنبيه على أهمية هذه الشخصيات الفكرية وعلى أن من واجب الأجيال الجديدة من الباحثين الشباب أن تدرسها وتُعرف بتراثها. في الجمعة الماضية تعرفنا على الشيخ عبد السلام ياسين، واليوم نتعرّف على أحد عمالقة الدراسات الإفريقية الذي فقدناه منذ حوالي شهرين (13 أكتوبر 2014). إنه علي الأمين مزروعي. وقد استفدت في هذه المقالة من مقالات عدة، خاصة ممّا كتبه صديقاه وزميلاه: د.حمدي حسن ود. عبد الوهاب الأفندي.

 ولد رحمه الله بمدينة مومباسا بكينيا، وبها دفن في مقابر عائلة المزروعي كما أوصى. وهو من أصول عربية من عُـمان، إذ حكمت أسرته المنطقة في القرن التاسع عشر، كما كان أبوه قاضي قضاة كينيا.

 وقد درس ببلده أولا، ثم بجامعات بريطانية وأمريكية.. وعمل أستاذا بجامعة ماكريري بأوغندا ثم بجامعة كينيا. واصطدم بالرئيس الكيني الأسبق دانيال أرب موي الذي منعه من دخول البلد وبالرئيس الأوغندي الراحل عيدي أمين...  قبل أن يستقر به المطاف بالولايات المتحدة أستاذا جامعيا وباحثا.. كما تولى إدارة مراكز أكاديمية وثقافية متعددة خاصة بأوغندا وكينيا وأمريكا.

أنتج مزروعي  في سنة 1986 مسلسلا وثائقيا شهيرا عنوانه "تراث إفريقيا المثلث". برهن فيه على أن الهوية الإفريقية هي نتاج ثلاث مؤثرات متداخلة: التراث المحلي، والإسلام، والتأثير الأوربي خاصة المسيحي.

كتب أزيد من أربعين كتابا ومئات المقالات في مجالات متنوعة كالتاريخ والثقافة والأنثروبولوجيا والدين.. وأكثر إنتاجه يتعلق بإفريقيا وقضاياها. ومن كتبه: "الإسلام بين محاربة الإرهاب والعولمة". " قضايا فكرية: إفريقيا والإسلام والغرب على أعتاب عصر جديد" مترجم إلى العربية. "نحو تحالف إفريقي". "علاقات إفريقيا الدولية". "المفاهيم السياسية."... كما ساهم في إعداد "موسوعة تاريخ أفريقيا". ودخل في سجال مع هنتغتون صاحب نظرية صدام الحضارات، فردّ عليه بمقالته المشهورة "القيم الإسلامية والغربية."

كان صاحب نظرية رائدة في تأسيس نوع من "الهوية الإفريقية" وفي تأكيده على التداخل والتضامن التاريخيين بين العالمين العربي والإفريقي.. فنحت مصطلح "أفرابيا".. كما دافع عن  الوحدة الإفريقية وعن ضرورة مواصلة الكفاح ضد الاستعمار. وانتقد سياسات التنمية التي انتهجها بعض الرؤساء الأفارقة بعد الاستقلال، فكان يرى أن ليبرالية معتدلة ومعدّلة هي الملائمة للقارة.

وكان معتزا بإفريقيته لدرجة أنه رفض أن يتخلى عن جنسيته الكينية وأن يكتسب جنسية أجنبية. يقول الأستاذ الأفندي :" لعله لا يوجد مثقف إفريقي آخر تجسدت إفريقيا في شخصه، وعاشها وتنفسها، وعبر عن أفضل ما فيها، كما فعل المزروعي. فقد جسد في حياته سيرة إفريقيا الحديثة: تطلعاتها وخيباتها، هويتها وتناقضاتها.."

إن إنتاج مزروعي وافر وضخم جدا، وقد أحصى كتاب صدر سنة  2003 أعماله، فجاوزت الستمائة، وتطلب مجرد تعدادها وتلخيصها أكثر من ثلاثمائة صفحة. وللأسف فإن معظم هذا التراث غير مترجم إلى العربية.

لهذا الأسباب كلها نحتاج إلى اكتشاف فكر الراحل، والتعريف به، وترجمة بعضه إلى اللغة العربية.. بل يصلح أن يكون الأستاذ مزروعي موضوعا لأكثر من كتاب ولأكثر من أاطروحة دكتوراه.. حتى نعرف كيف كان تصوره لما ينبغي أن تكون عليه إفريقيا وكيف يمكن معالجة مشكلاتها المزمنة.. خاصة أن مزروعي رحمه الله كان يبدع الأفكار ولا يكتفي باجترار الموجود.

لقد اختار المغرب في السنوات الأخيرة أن ينفتح على إفريقيا، وهذا اختيار استرتيجي مهم وإن تأخر بعض الوقت.. لذلك علينا أن نتعرّف بعمق على الفكر الإفريقي، وأن نتحرر من هذا التوجه المَرَضي الحصري  إلى الفكر الأوربي، والفرنسي تحديدا.

وتتأكد مهمة دراسة فكر الرجل وتقديمه للأجيال الناشئة حين نعلم أن معظم إنتاجه كان بالإنجليزية، بينما هذه الأجيال المغاربية في معظمها لا تعرف هذه اللغة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق