للكرخي -الفقيه الأصولي الحنفي الكبير- كلمة يساء فهمها من طرف بعض الكتاب المعاصرين، وتـُذكر باعتبارها نموذجا للتعصب المذهبي. لكن الحقيقة أن الكرخي لم يقصد هذا المعنى. فما وجه كلامه؟
قال الكرخي: الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق.
معنى هذا الكلام ليس على ظاهره، بحيث يظن أنه صادر عن تعصب مذهبي مقيت. بل المقصود مخاطبة دارس المذهب الحنفي والباحث فيه، فيقال له: إذا وجدت المذهب على خلاف آية أو حديث، فالسبب في ذلك أن اجتهاد الفقهاء الأحناف وجدوا دليلا على أن النص منسوخ. أو وجدوا نصوصا أخرى من القرآن أو السنة تعارض هذه الآية أو هذا الحديث، فلجؤوا للترجيح. أو أن لهؤلاء الفقهاء - في حالة ثبوت النص دون معارض أو نسخ- تأويلا معينا للنص، اي فهما خاصا له على خلاف ظاهره. فهذا ضابط مذهبي ذكره الكرخي للتعليم، أي ذكر الاحتمالات الثلاثة التي وصل إليها الأحناف بالاستقراء لا أنهم وضعوا القاعدة أولا ثم حشروا النصوص داخلها حشرا. فالضابط نتيجة لا مقدمة.
وإذا كان عندك طاقة وقدرة علمية فما عليك إلا أن تراجع كتب المذهب المطولات لتقف على تفاصيل هذا الاجتهاد في هذه الآية أو في هذا الحديث، وتعرف هل يتعلق الأمر بنسخ أم ترجيح أم تأويل..
فكلام الكرخي قاعدة مذهبية، أي قاعدة لفهم المذهب، وأنك إذا وجدتَ فيه ما يخالف آية أو حديثا، ففتش عن أحد هذه الاحتمالات الثلاثة: النسخ، أو الترجيح، أو التأويل. وليس معناه أن الفقيه الحنفي يتكلف ابتداء ترك النص، فالقاعدة إخبار عن اجتهادات استقرت، لا عن أنظار مستأنفة تحكم على النص بأنه منسوخ مثلا قبل أن تدرس المسألة وتجتهد فيها.
إذن كلام الكرخي لا غبار عليه، وهذا كله في إطار الاجتهاد والرأي المشروع.
ولو فرضنا الآن أنه يوجد فقيه يقول: أنا أختار رأيا معينا من تلقاء نفسي وبعقلي الخالص.. (أي بدون مراعاة مسالك الاجتهاد المعروفة).. وإذا وجدتُ نصا يخالف ذلك فأنا أدعي أنه منسوخ أو مؤول.. فلا شك في تحريم هذا العمل، وأنه الهوى بعينه، لأنه قول بالتشهي ورأي في معارضة النص.. وهذا بالإجماع. وفقهاؤنا الكبار - ولله الحمد- لم يكونوا من أصحاب هذه الطينة، بل كانوا أورع وأعلم. والله أعلم.
إلياس بلكا
قال الكرخي: الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق.
معنى هذا الكلام ليس على ظاهره، بحيث يظن أنه صادر عن تعصب مذهبي مقيت. بل المقصود مخاطبة دارس المذهب الحنفي والباحث فيه، فيقال له: إذا وجدت المذهب على خلاف آية أو حديث، فالسبب في ذلك أن اجتهاد الفقهاء الأحناف وجدوا دليلا على أن النص منسوخ. أو وجدوا نصوصا أخرى من القرآن أو السنة تعارض هذه الآية أو هذا الحديث، فلجؤوا للترجيح. أو أن لهؤلاء الفقهاء - في حالة ثبوت النص دون معارض أو نسخ- تأويلا معينا للنص، اي فهما خاصا له على خلاف ظاهره. فهذا ضابط مذهبي ذكره الكرخي للتعليم، أي ذكر الاحتمالات الثلاثة التي وصل إليها الأحناف بالاستقراء لا أنهم وضعوا القاعدة أولا ثم حشروا النصوص داخلها حشرا. فالضابط نتيجة لا مقدمة.
وإذا كان عندك طاقة وقدرة علمية فما عليك إلا أن تراجع كتب المذهب المطولات لتقف على تفاصيل هذا الاجتهاد في هذه الآية أو في هذا الحديث، وتعرف هل يتعلق الأمر بنسخ أم ترجيح أم تأويل..
فكلام الكرخي قاعدة مذهبية، أي قاعدة لفهم المذهب، وأنك إذا وجدتَ فيه ما يخالف آية أو حديثا، ففتش عن أحد هذه الاحتمالات الثلاثة: النسخ، أو الترجيح، أو التأويل. وليس معناه أن الفقيه الحنفي يتكلف ابتداء ترك النص، فالقاعدة إخبار عن اجتهادات استقرت، لا عن أنظار مستأنفة تحكم على النص بأنه منسوخ مثلا قبل أن تدرس المسألة وتجتهد فيها.
إذن كلام الكرخي لا غبار عليه، وهذا كله في إطار الاجتهاد والرأي المشروع.
ولو فرضنا الآن أنه يوجد فقيه يقول: أنا أختار رأيا معينا من تلقاء نفسي وبعقلي الخالص.. (أي بدون مراعاة مسالك الاجتهاد المعروفة).. وإذا وجدتُ نصا يخالف ذلك فأنا أدعي أنه منسوخ أو مؤول.. فلا شك في تحريم هذا العمل، وأنه الهوى بعينه، لأنه قول بالتشهي ورأي في معارضة النص.. وهذا بالإجماع. وفقهاؤنا الكبار - ولله الحمد- لم يكونوا من أصحاب هذه الطينة، بل كانوا أورع وأعلم. والله أعلم.
إلياس بلكا
و كم من أغاليط شاعت في هذا المجال الشائك - مجال الاجتهاد -
ردحذفكم نتمنى أن تكتب سيد الياس و تزيل بعض الإشكالات التي تصادف جمهورالمسلمين في هذا الباب
لكم منا كل التقدير