الثلاثاء، 23 أبريل 2013

الدكتور المصطفى تاج الدين: الخطاب الإسلامي المعاصر بالمغرب وقضية الهوية اللغوية.

الخطاب الإسلامي المعاصر بالمغرب وقضية الهوية اللغوية

أفرزت التحولات السياسية الأخيرة في العالم العربي وضعا ملتبسا على مستوى السياسة والفكر. فالثورات العربية التي أسقطت أنظمة سياسية مستبدة كما في تونس ومصر وفرضت على أنظمة أخرى انحشارا ما في عملية الإصلاح السياسي كما في المغرب، مثلت خلاصة جهود متراكمة من النضال السياسي للتيارات الليبرالية واليسارية الوطنية وكذا للتيارات الدينية المحافظة. ويكمن جوهر الالتباس في مآل هذه الثورات والذي ما زال يتكشف رويدا رويدا ويتجه نحو انتصار بين للأحزاب الدينية، فالذين أشعلوا فتيل الثورات لم يفوزوا في الانتخابات. والذين ترددوا في دعمها تمكنوا من إحكام قبضتهم على المؤسسات الانتخابية من يرلمانات ومجالس الشورى مما يشير إلى وجود مفارقة بنيوية في العقل العربي مفادها أن الشرعية ولو من الناحية الظرفية قد حسمت لصالح الإيديولوجيا في مقابل النضال المدني.
ولأن الإيديولوجيا هي التي انتصرت فإن الخطاب الفكري المعبر عنها هو الذي سيكون مجال بحثنا في هذه الورقة. لقد فرضت هذه التحولات المفاجئة على التيارات الإسلامية أن تنتقل بخطابها من مستوى المونولوج أو الحوار الداخلي في الحزب أو الجماعة إلى مستوى الديالوج او الحوار الخارجي في المجتمع وهو ما يستلزم تغييرا في بنية الخطاب من بنية الائتلاف إلى بينية الاختلاف. فالمخاطب لم يعد منسجما من الناحية الفكرية لأن المجتمع مختلف الهويات والتوجهات بطبيعته والمتكلم لم يعد خارج المؤسسة النظامية أو الدولة بل أصبح جزأ مهما من بنيتها وإن يكن الأمر متعلقا بالتدبير فقط.
ولنؤكد منذ البداية أن حديثنا عن الخطاب الديني والحداثة لن يعيد طرح السؤال التقليدي الممزوج بفوبيا معرفية تتخوف من إعادة المجتمع العربي إلى كهف الماضي والسبب أن الحركات الإسلامية حركات عصرانية وإن لم تكن حداثية لأن التطورات العصرية في مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال واقع موضوعي لا يسمح برد فعل عكسي إرادوي لمواجهته. ولهذا فإننا نكاد نجزم أن الخطاب الإسلامي سيحدث له ما حدث للمؤسسة الدينية الكنسية في الغرب والتي لم تسمح لها التطورات العلمية المتسارعة إلا بهامش ضيق من الممانعة تحول إلى حالة مزمنة من التكيف adaptation
الهوية : دراسة في المفهوم:
نشأ مصطلح الهوية في بيئة منطقية خالصة، ومنذ أرسطو – واضع علم المنطق- مرورا بشراحه المسلمين كان الفكر الفلسفي مهتما بالتعريفات والحدود او لنقل إن التعريف كان حبيس وعي ثنائي قائم على مبدأ الثالث المرفوع والذي بموجبه يستحيل أن تكون القضية (أ) لا أ (-أ) في الوقت نفسه بمعنى أن مبدأ الهوية منطقيا يفيد فصلا تمييزيا بين القضية ونقيضها في شكل ثنائية يستحيل معها تصور الإثبات والنفي معا للقضية الواحدة. ولقد وجد هذا الوعي الحدي طريقه إلى اليهودية والمسيحية والإسلام . ولقد حاول هيروشي موتوياما تقديم تأويل ثقافي ديني لسيادة منطق لاهوتي قائم على الهوية في الأديان التوحيدية الثلاثة في مقابل منطق ميتافيزيقي قائم على الجدل في البوذية مثلا . وملخص هذا التأويل أن المجتمعات السامية والأوروبية قائمة على الصراع مما يعني ان وجود الجماعة أو القبيلة مؤسس على تحصين الهوية من الآخر/العدو والذي أدى إلى اقتناع ثقافي ورياضي بمفهوم الهوية الخالصة وكذابمفهوم الثالث المرفوع و" هكذا سادت فكرة كون الحفاظ على هوية القبيلة قائما على إلغاء القبائل الأخرى. وقاد هذا الفعل الإلغائي إلى تطور منطق سيؤسس فيما بعد على مبدإ الهوية"
غير أن مصطلح الهوية –على الأقل في استعماله المنطقي- ليس عربيا وإنما اضطر إليه المترجمون لا للتعبير عن معنى غير موجود في العقل العربي وإنما للتعبير عن مفهوم لا تستسيغه اللغة العربية. ومعنى ذلك أن غياب المصطلح من حيث اللغة أو الدال لا يعني بالضرورة غيابه من حيث المعنى أو المدلول. ويسعفنا الفارابي بتعريف مهم للهوية يمكننا من فهم وجه العلاقة بين معناه في المنطق المجرد وما يدل عليه في الثقافة والاجتماع. يقول الفارابي: " هوية الشيء، وعينيته، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له، كل واحد. وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته وخصوصيته ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيه اشتراك" ومن خلال هذا التعريف الحدي للهوية تظهر لنا خطورة انتقال المفهوم من مجال المنطق إلى مجال العلوم الإنسانية؛ إذ أن تصور الهوية بمعنى الخصوصية والانفراد غير القابل للاشتراك إن كان ممكنا في القضايا العقلية المجردة فإنه مستحيل التحقق في القضايا الاجتماعية. فهوية الجماعة البشرية بمعنى تميزها الحصري عن غيرها من الجماعات أمر معدوم تاريخا ومجرد تصوره استلاب للتجريد ولا يمكن الاستدلال على وجوده إلا بطريقة الإمكان العقلي والتي هيمنت على العقل الإسلامي في شقه الكلامي
الخطاب القرآني وقضية الهوية:
استنادا إلى ماهية القرآن الكريم بوصفه كلام الله فإن المخاطب به لا بد أن يكون هو الإنسان ولأن المتكلم مطلق خارج الزمن فإن المرسل إليه مطلق آخر لكنه مطلق داخل الزمن. ويلزم من هذه المقدمة أن يتكلم الله مع الناس على اختلاف أزمانهم وصفاتهم وأقوامهم وأوطانهم من أجل هدايتهم ورسم معالم طريقهم إليه. فإن لم يجد كل إنسان نفسه مخاطبا بالوحي فمن يستطيع غير الله أن يخاطبه. ومن هذا المنطلق فإن الهوية بمعناها المنطقي والثقافي الذي أشرنا إليه ستكون بلا شك من عوائق فهم الخطاب القرآني المطلق والموجه للناس كافة.
ومع ذلك فإننا نجد في القرآن مفاهيم مرتبطة بالهوية ارتباط إيجاب مثل القوم والعشيرة وأخرى مرتبطة بها ارتباط سلب مثل الناس والعالمين وبني آدم. وباعتبار وجود هذه المفاهيم المتعارضة داخل خطاب واحد فإننا سنعمد إلى مدارستها لاستكناه وجوه تضايفها في كتاب الله.
- العشيرة:
كلمة مشتقة من المعاشرة وتفيد في القرآن الكريم ما تفيده كلمة الأقارب لكنها أدل منها على وجود التواصل والعيش المشترك. قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى وجوب تجاوز هوية العشيرة حال تضاربها مع قيمة الإسلام. وإذا كانت العشيرة أهم هوية جماعية بعد هوية الفرد فإن دعوة القرآن الكريم إلى تجاوزها دعوة ضمنية إلى تجاوز الهويات الجماعية الأخرى من باب أولى.
- القوم:
كلمة تكررت في القرآن أكثر من مائتي مرة وتشير في القرآن الكريم إلى معنيين سياقيين لا ينفيان وجود معان أخرى جزئية لها. ومرادنا بالمعنى السياقي أن الدلالة المعجمية لا تكفي لتعيين المراد من كلمة "قوم" إذ تحتاج إلى كلمة أخرى تحملها من دلالة إلى أخرى. فحيثما اقترنت الكلمة بأخرى ذات دلالة على القيمة دلت على العموم وهو معناها السياقي الأول سواء كان هذا الاقتران اسميا كما في : القوم الكافرين والظالمين أم فعليا كما في قوم يوقنون ويعلمون وهنا فإن كلمة قوم لا تشير إلى الهوية بمعناها الكياني وإنما تشير إلى عموم القيم المرتبطة بها كالكفر والظلم والإيمان وغير ذلك. وحيثما اقترنت بضمير الإضافة دلت على الخصوص أي على الهوية الكيانية المعلومة كما في قوله تعالى : قومها وقومكما وقومه وقومنا.
- القبيلة والشعب:
لعل هذين اللفظين من أكثر الألفاظ القرآنية دلالة على معنى الهوية في التداول المعاصر. فقد خلق الله الناس شعوبا وقبائل. إلا أنه خلقهم كذلك ليتعارفوا لا ليحتموا بهويتهم من أجل إلغاء الآخر المختلف. والتعارف في القرآن هو هدف الاختلاف وما لم يتحقق الهدف وهو التعارف لم يعد ثمة معنى للاختلاف.
- الأمة:
تستدعي كلمة أمة في القرآن الكريم وفقة متأنية نظرا لسطوة هذا المصطلح في المجال التاريخي الإسلامي. ولقد وردت كلمة أمة بصيغتها الإفرادية 49 مرة في القرآن تارة مقترنة بالصفة وتارة غير مقترنة بها. إلا أن التمعن في سياقاتها المختلفة سيخرجها من دون أنى شك من مفهومها التاريخي إلى مفهوم قرآني قيمي لا تعلق له من أي وجه بمعنى الأمة السائد في الثقافة.
ولنأخذ أمثلة من القرآن الكريم لتأكيد قكرة الانزياح الثقافي للمفاهيم القرآنية، والمقصود بالانزياح هنا ما يحدث لدلالة الألفاظ في الخطاب من تحويل ثقافي بسيط يكون والسبب فيه راجعا "إلى الالتباس الحاصل بين اللغة والفكر من جهة واللغة والتداول من جهة أخرى. ولهذا السبب فلا يمكن بحال من الأحوال تطوير نظرية في التأويل إلا من خلال الاهتمام بالتطورات الحاصلة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وخصوصا علم النفس وعلم الاجتماع.
فاللغة مرتبطة بالإدراك من جهة وبالمجتمع من جهة أخرى. وإذا كانت الدلالة اللغوية اعتباطية بالنظر إلى الرمز اللغوي مفصولا عن الواقع الخارجي، فإن هذه الاعتباطية تتلاشى كلما حل المعنى باللفظ ، فتتحول المعاني من قيم اعتباطية arbitrary إلى قيم إدراكية متحكمة في الخارطة الذهنية للمتكلم ثم تتحول بفعل التداول إلى قيمة إدراكية اجتماعية فتتحول إلى سلطة متحكمة في الإدراك الفردي. أي أن إدراك الجماعة اللغوية يصبح هو المتحكم في منح الدلالة للفظ مع أن الدلالة كانت في أصلها شيئا اعتباطيا" . وسنلاحظ من خلال مناقشتنا للفظ الأمة وسياقات وروده في الخطاب القرآني كيف يتحكم التداول الثقافي للألفاظ في معناها ويلبسها لبوسا ليس لها وقد يعود أحيانا على دلالتها الأصلية بالإبطال وهو أخطر ما يقوم به التحويل الثقافي للمفاهيم.
(1) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
(2) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
(3) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
(4) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
(5) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ
فالأمة في المثال الأول والثاني جاءت مقترنة بصفة "مسلمة" و" وسط" وهما صفتان قيميتان لا تفيدان أي تحيز كياني وفي المثال الثالث كان الناس أمة واحدة والمعنى هنا أن الناس في أصل وجودهم كانوا موحدين ولا يمكن الحديث هنا عن كيان عرقي أو ثقافي موحد لأن الله تعالى خلق الناس شعوبا وقبائل مختلفة وفي المثال الخامس إشارة إلى المضمون الفكري والعقدي للأمة وتؤكدها "من" التبعيضية أي أن هناك أمة عقدية من أهل الكتاب يتلون آيات الله مما يخرج اللفظ من مفهومه الكياني المتحيز إلى مفهوم عقدي وفكري يتجاوز العرق والكيان إلى مفهوم أكثر رحابة وإطلاقية. وفي المثال الرابع جاءت كلمة أمة مقترنة بالفعل الناقص "كان" والذي يدل على الاستغراق في الزمن الماضي والفعل هنا يشبه في دلالته كان في قوله تعالى " وكان الله غفورا رحيما" أي أنه كان كذلك منذ كان على سبيل الاستغراق المطلق في الزمن الماضي دون أن يفيد الانقطاع كما يقول النحويون، والمراد هنا –والله أعلم- أن أمة التوحيد - منذ كانت- كانت خير أمة والسبب في نقل مضمون الآية لينطبق على الأمة المحمدية هو ضمير الخطاب "كم" والذي يوحي بأن المخاطب أولئك الذين نزل القرآن عليهم مع أن فعل كان يبين أن المخاطب هنا هم الموحدون بالله منذ كانوا وحيثما كانوا.
والحاصل أن القرآن الكريم لا يتحدث عن قومية عقدية معلومة ولا عن هوية منغلقة مرسومة لأن الهوية في القرآن عبارة عن إطار مفتوح على الأعراق والأديان والألوان ما دامت هذه الكيانات قائمة بأمر التوحيد محافظة على مراد الله من وجودها وهو التعبد إيمانا وعمرانا. والذين جعلوا الأمة كيانا متحيزا في التاريخ والجغرافيا ونصيوا منه مخاطبا بالوحي لا يختلفون عن بني إسرائيل الذين جعلوا من كيانهم الهوياتي المخاطب الأوحد في الوحي التوراتي ومن أنفسهم أبناء الله وأحباءه مع أن الخطاب الإلهي مؤسس على مطلق القيم لا على نسبي التحيز لأن ما يصدر عن المطلق لا بمكن إلا أبن يكون مطلقا.
الخطاب الديني في المغرب ومشكل الهوية:
لا بد أن نعترف منذ البداية أن الحديث عن خطاب إسلامي مجرد تعميم تجريدي تمليه إكراهات الكتابة. إذ ليس هناك خطاب إسلامي واحد وإنما ثمة خطابات متعددة تصل أحيانا إلى درجة التناقض . ومن الناحية اللسانية فإن الكلام عن خطاب إسلامي لا يعني توفر خصائص الخطاب اللسانية فيه من انسجام وترابط coherence & cohesion . والسبب أن الخطاب الإسلامي خطاب سجالي يتميز بملمحين: - ملمح الأدلجة وملمح التسيس وهما من خصائص الخطابات السجالية التي يستحيل انضباطها لشروط الخطاب من الوجهة اللسانية. إن الحديث عن خطاب إسلامي " حديث عن السياسة: فالخطاب الإسلامي جزء لا يتجزأ من السجال حول القيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية والمؤسسات السياسية على المستوى المحلي والدولي" .
ويمكن القول إن أزمة الخطاب الإسلامي هي في سجاليته والتي طبعته بطابع الانفعال والدفاع مما أدى به إلى استسلام ملتبس لمفاهيم الحداثة مع إعلانه عن رفضها من جهة ومن جهة أخرى قادت البنية السجالية لهذا الخطاب إلى التقوقع حول مفهوم حدي للهوية تضخم إلى نوع من الإفراط في اعتبارها عرف المغرب صحوة إسلامية مثلت صدى لعوامل متعددة نذكر منها:
- تغلغل الفكر الماركسي في المجتمع المغربي أواخر الستينيات من القرن العشرين حيث عد اليسار المغربي خطرا على العقيدة الإسلامية
- نكبة 1967 والتي مثلت إعلانا شافيا عن هزيمة الإيديولوجيا القومية
- نجاح الثورة الإسلامية في إيران والتي أحيت الأمل في إمكان تأسيس الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة
- التأثر الواضح بحركة الإخوان المسلمين من خلال اختيار فكري جديد للنخبة الإسلامية في المغرب وهو الاكتفاء بدور التلميذ المستورد للأفكار الدينية من المشرق العربي
إن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة عمقت أخاذيذها في الخطاب الإسلامي المعاصر ومنعت من تحقيق تواصل تاريخي بينه وبين خطاب السلفية الإصلاحية الذي جاء ردا على الاستعمار من جهة وجوابا لسؤال بنيوي هيمن على العقل المسلم الحديث وهو : لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟ ولنقل إن خطاب الإصلاح الديني الحديث دار حول موضوع النهضة في حين تمركز الخطاب الإسلامي المعاصر حول موضوع الدولة. وبسبب الاهتمام بالنهضة فقد اهتم زعماء الإصلاح في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بقضية العلم بينما اهتم منظروا الحركات الإسلامية بموضوع السياسة. وكان من نتائج هذا التحول أن تغيرت أولويات أو ضرورات الإصلاح من :

- ضرورة التجديد ونبذ التقليد
- ضرورة الحوار الداخلي بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتصوراتهم
- ضرورة الحوار الخارجي مع "الآخر" دون تحرج من الاستفادة منه
- ضرورة استئناف إعمال العقل ورفض الحرفية النقلية
- ضرورة المعرفة
إلى:
- ضرورة اتباع السلف والتمسك بالقديم
- ضرورة التميز والمفاصلة بدل الحوار
- ضرورة التمسك بالنص (السنة خصوصا) بدل التمسك بالكليات العقلية المنصوص عليها أي مقاصد الشريعة
- ضرورة التسيس بدل المعرفة
- ضرورة إقامة الدولة بدلا من ضرورة الإصلاح
الخطاب الإسلامي والمسألة الأمازيغية:
لم يهتم الخطاب الإسلامي بشقيه التقليدي والحديث بمسألة الهوية اللغوية إلا في مرحلتين:
- مرحلة ظهور الاتجاه الشعوبي في الثقافة والسياسة في العصر العباسي والذي ووجه سياسيا بأداة السلطة وخصوصا آلية الجماعة وفكريا بأداة الفقه وخصوصا آلية الإجماع.
- مرحلة ظهور الفكر القومي الحديث والذي ووجه فكريا من خلال مقولة الغزو الفكري وربط الفكر القومي لدى مفكري الإسلام المعاصر بالعلمانية والإلحاد إلا أن الخطاب الإسلامي وبضغط الممارسة السياسية والبحث عن الحلفاء عدل من تصوره حول الفكر القومي وخلص إلى إمكانية التحالف معه من اجل إسقاط الأنظمة او على الأقل مدافعتها بقوة الكتلة التاريخية. هذه العلاقة الملتبسة مع الفكر القومي تطرح أسئلة ملحة لم نعثر لها على جواب في أي خطاب إسلامي لحد الآن؛ فبالنظر إلى أممية الخطاب الديني وتصريحه بضرورة إقامة الخلافة الإسلامية بوصفها الهدف النهائي لعملية الإحياء الإسلامي فإن تمركز هذا الخطاب في الدائرة العربية حول العروبة أو المكون اللغوي للهوية يجعل منه بالضرورة خطابا متعارضا مع هويات لغوية أخرى تشترك معه في المرجعية الدينية كخطاب الثورة الإسلامية في إيران نظرا لانبنائه على الهوية الفارسية وهو ما يجعلنا نعتقد أن الصراع الإقليمي العربي الإيراني سيستمر حتى بعد وصول حكومات إسلامية إلى السلطة في العالم العربي. أما بالنسبة للخطاب الإسلامي التركي فإن الصراع معه مستقبلا سيكون أقل حدة نظرا لوجود مكون آخر من مكونات الهوية وهو المذهب السني بوصفه قاسما مشتركا بين الخطاب الديني العربي ونظيره التركي.
ظلت الحركة الإسلامية المغربية في تفاعلها مع المسألة الأمازيغية إلى حدود نهاية الألفية الثانية رهينة لثلاث منطلقات: المعياري والتأصيلي والتاريخي والسياسي
- المنطلق المعياري:
تمثل المعيارية في مجال العلوم الإنسانية نموذجا في المعرفة والبحث يقوم على تصور مشدود إلى مثال طهراني ما أي أن ثمة معيارا كاملا ثابتا ينبغي الامتثال له. في علم اللسانيات مثلا فإن المعيارية تعني وجود نظام نحوي سليم ينبغي النسج على منواله وما خالفه فهو لحن وشذوذ ومن ثم فن الواقع اللساني المتمثل في التنوع اللهجي والإنجاز الكلامي الأدبي يتم تجاهلهما لصالح المعيار المجرد القابع في الذهن. وفي مجال الخطاب الديني فإن التدين الاجتماعي وما يفرزه من طقوس وخطابات متنوعة تمثل ماصدق المعيار يتم الحكم عليه من خلال نسق عقدي يمثل المقياس الصحيح للدين ولنقل إن النزعة المعيارية تهتم بالدين المجرد ولا تلقي بالا للتدين بوصفه المظهر الواقعي للدين. وهذا ما يفسر انشداد الخطاب الإسلامي للنموذج المعرفي الفقهي واستخفافه الواضح بالتدين الاجتماعي والذي نجد تفاصيله في كتب التاريخ والأدب. وعلى أساس المعيارية هذه فإن اللغة العربية مقدسة لأنها لغة القرآن ووعاء المقول الإلهي فيه وفي هذا التصور ذهول واضح عن الفرق بين اللغة والكلام لأن الفضل هنا ينبغي أن يعود إلى كلام الله باللغة لا إلى لغة كلام الله.
- المنطلق التأصيلي:
يرتبط المنطلق التأصيلي بالتصور المعياري لأن المعيار عادة ما يحتاج إلى أصل ينشد إليه. ولعل من طبائع الخطاب الإسلامي المعاصر رغبته الدائمة في البحث عن أصل ما لتصوراته عن المتغيرات الواقعية الحديثة. ولئن كان التأصيل محمودا في دائرة الفقه فإنه يتحول إلى مشكل معرفي في دائرة السياسة والاجتماع. فمنطقة الفراغ التشريعي أو ما يطلق عليه الوحي دائرة العفو لم يستثمرها الخطاب الإسلامي لإنشاء معرفة حديثة منبثة عن الماضي استثماره لقواعد المصالح الأصولية في السياسة ولهذا فإننا نلاحظ أن عملية التجديد في الخطاب الإسلامي مرتبطة بفكر مقاصدي قائم على الموازنة بين المصالح والمفاسد ومع أن هذا المنحى مطلوب في بناء خطاب سياسي متحرك مع الواقع فإنه يبقى عائقا أمام بناء فكر جديد قائم على تصورات مبدئية تجديدية تمثل الثوابت الإنسانية للفكر الإسلامي . ولنعط مثالا على هذا قبل تطبيق تصورنا على موضوع الهوية اللغوية في المغرب: فلقد وقف الإسلاميون موقفا عدائيا من الديموقراطية أول الأمر وخصوصا مقولة : الشعب مصدر السلطات واستندوا على مبدإ عقدي صارم وهو أن الله هو مصدر السلطات، إلا أن القراءة المصلحية للواقع جعلت كثيرا من التيارات الإسلامية تغير من موقفها لتعتنق مبدأ الشعب مصدرا للسلطات لا لإيمان مبدئي بالديموقراطية بل لأن أغلبية الشعب تؤمن بالشعار الإسلامي ومن تم فإن تطبيق الشريعة يمكن أن يمر عن طريق الأغلبية.
وبخصوص المسالة الأمازيغية فإن التأصيل يمثل آلية من آليات التكيف التي ذكرنا فموقف الإسلام – يقول سعد الدين العثماني- " واضح وبين فهو ليس دينا لمحو خصوصيات الشعوب وإبادة ثقافتها، بل على العكس من ذلك يحترمها ويغني مضامينها بعقيدته ومبادئه وقيمه السامية. وقد امتن الله تعالى في القرآن الكريم على عباده بذلك التعدد اللغوي والثقافي واعتبره آية من آياته التي تستحق الشكر" . لم ينتبه الدكتور العثماني إلى أن ما استحق الشكر في القرآن الكريم هو نفسه ما يستحق اللوم في التاريخ، فالتأصيل القرآني لكونية التعدد اللغوي والثقافي لا يكفي – على أهميته- إن لم يصاحبه وعي تاريخي ينزل الوحي في الواقع. ولنسأل الدكتور ما الذي حدث للغة الفارسية في العراق؟ وماذا لو لم تقف الدولة الصفوية في وجه التعريب القائم على الإكراهين الرمزي والسلطوي؟ ثم ما الذي حدث في تونس او إفريقية مثلا ألم تنقرض فيها الأمازيغية أو تكاد؟ ولولا البنية التضاريسية للمغرب الأوسط (الجزائر) والمغرب الأقصى ألم يكن من الممكن أن تلقى الأمازيغية فيهما المصير الذي لقيته في تونس؟ ألا يفسر هذا تمركز الأمازيغ في الجبال وخلو السهول المنبسطة منهم؟. إننا نعتقد أن عملية التعريب ارتبطت في جزء منها بحب الدين لا نشك في ذلك وفي جزء آخر بهيمنة مركز الدولة على أطرافها. في حالة تونس فإن البنية التضاريسية المنبسطة سهلت على الدولة توسيع هيمنتها على الأطراف وهو ما فشلت فيه في الجزائر والمغرب. وإذن فإن خطاب الوحي الكريم لم يكن كافيا لمنع عملية الهيمنة اللغوية لولا ألطاف التضاريس.
- المنطلق التاريخي:
ارتبط الخطاب الإسلامي في المغرب حول الأمازيغية بقضية تاريخية مثلت معلما مهما من معالم المغرب الحديث وهي قضية الظهير البربري الذي أصدرته الإدارة الاستعمارية الفرنسية عام 1936 والذي أدى إلى اهتمام مشرقي إسلامي بمصير الإسلام في الغرب الإسلامي . ويمكن التمثيل لهذا التصور التاريخي ب" بدراسة عبد الكريم مطيع التي صدرت في البداية في مجلة المجاهد (16-12-1983) ثم نشرت في كتاب مستقل تحت عنوان: " عرب وبربر: مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله"، وذلك في إطار منشورات حركة الشبيبة الإسلامية، وقد سبق هذه الدراسة نشر دراسة داخلية للجماعة الإسلامية ... وقد انطلقت من خلفية تاريخية تستعيد خبرة الظهير البربري ... دون التطرق لمسألة تنمية اللغة و الثقافة الأمازيغيتين"
لقد قام البناء الاستدلالي للخطاب الإسلامي في مواجهته لمقولات الظهير البربري على استثمار بعد واحد للهوية وهو الإسلام بوصفه بوثقة انصهار كلي للمسلمين عربا وبربرا. ولقد كان هذا التوظيف الديني للعقيدة بوصفها البعد الأوحد لهوية أهل المغرب فعالا من الناحية السياسية في مواجهة الخطاب الاستعماري والسبب راجع في تصورنا إلى أن " الهجوم الفرنسي المباشر على العروبة، والإرادة السياسوية الراغبة في توظيف سطحي بسيط للمسألة البربرية وراء تحصن المغاربة وراء بعد واحد للهوية هو الإسلام، أي أن الاستعمار لم يكن موفقا في خلق موجة ثقافية تستوعب المطالب الجديدة للإنسان الأمازيغي أو بالأحرى لم تنجح في خلق مطالب جديدة له أكثر من مطلبه هو أي الاستقلال، لقد كانت موجة الاستقلال والتميز الهوياتي عنوان حركات التحرر والتي كان للأمازيغ الفخر في الانخراط فيها طواعية من أجل تحقيق الاستقلال" .
لم يع الخطاب الإسلامي بالمغرب حجم التحولات الثقافية في مغرب ما بعد الاستقلال والتي يمكن تلخيصها في بروز نخبة أمازيغية لم تعد مهتمة بموضوع الاستقلال بل أولت اهتمامها لإعادة الاعتبار لهويتها الثقاقية انطلاقا من فصل كلي أو جزئي بين الهوية اللغوية والدين، ف" النخبة الأمازيغية كانت نخبة دينية تقليدية، والسبب في عدها تقليدية أنها لم تبلور خطابا إسلاميا مستقلا بل كان علماء الأمازيغ من أمثال العلامة المختار السوسي مرتبطين بالدولة بينما ارتبط آخرون بأحزاب لم تتأسس على بعد هوياتي إسلامي واضح، والنتيجة أن هؤلاء تركوا جيلا تقليديا سرعان ما سيسلم المبادرة للجيل الثاني المتعلم في الغرب أوفي المدارس النظامية والتي لم يكن فيها الانتماء الديني إلا ثانويا. ومع ذلك فإن الجيل الأول وبجهودهم الفردية غير المنظمة استطاعوا خلق موجة ثقافية تماهي بين العروبة والإسلام، ولم يكن الأمازيغ مستعدين للتفريط في أي منهما ما داما شيئا واحدا. أما الآن فنحن نعيش موجة ثقافية جديدة وهي موجة الديموقراطية الغربية وحقوق الإنسان والتي نضج فيها علم جديد ملأت المصنفات فيه الرفوف وهو حق الدفاع اللغوي linguistic rights وأسست فيه جمعيات عالمية تسعى إلى الحفاظ على اللغات المهددة بالانقراض والتي تعد إرثا إنسانيا تجب المحافظة عليه، ليس انتصار الخطاب الأمازيغي المعتدل إذن نتيجة لمخطط استعماري فقط بل هو إفراز طبيعي لموجة ثقافية قد تدوم وقد تختفي بعد حين" .
لم يعد من الممكن إذن الاستمرار في الارتهان للتاريخ والادعاء بان إسلام الأمازيغ كاف لتحقيق انصهار هوياتي كالذي حصل في المرحلة الاستعمارية وإلا أدى هذا التصور إلى تفتيت الوحدة الوطنية ولربما قاد الجيل الأمازيغي المقبل إلى وضع الإسلام نفسه موضع التساؤل كلما تحصن به الخطاب الإسلامي لمواجهة الهوية الأمازيغية وهو من جنس ما حصل في باكستان " فاستقلال بنغلادش عن باكستان كان راجعاً في جزء مهم منه إلى قرار "محمد علي جناح" بجعل الأوردية اللغة الرسمية للبلاد، وشكل هذا ضربة للإحساس القومي لسكان البنغلادش الذين يتكلمون اللغة البنغالية"
- المنطلق السياسي:
قلنا سابقا إن الخطاب الإسلامي حول الهوية خطاب مكتنز بالسياسة، وحيثما حضرت السياسة في الخطاب ابتعد عن المضامين الفكرية المحددة للوجهة الاستراتيجية، ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة وعلى الأقل من منظور عبد المجيد الصغير إن ذهبنا إلى أن الموازنات الأصولية بين المصالح والمفاسد هي في عمقها آلية سياسية في الخطاب الإسلامي منذ تأسيس علم أصول الفقه .
إن الدارس للتطورات والتحولات الفكرية في موقف الإسلاميين من الأمازيغية لا شك سيلاحظ وجود قطائع معرفية فيها إلى درجة يستحيل معها إرجاع تلك التحولات الفجائية لنضج فكري أو مراجعة معرفية؛ مما يتركنا أمام احتمال واحد للتفسير وهو إكراهات السياسة والمدافعة من أجل تطمين المخاطبين ولو أدى ذلك إلى الغدر بالأسس الفكرانية المحددة لطبيعة الخطاب الإسلامي. فالحركة الإسلامية المغربية على تنوع خطاباتها تلتقي في نقطة واحدة وهي التعامل السياسي مع مكون خطير من مكونات الهوية ألا وهو اللغة بحيث يختزل الخطاب الإسلامي الهوية الأمازيغية في بعد واحد وهو اللغة أما الثقافة وهي محمول اللغة فينبغي أن تكون منسجمة مع الأسس العقدية الإسلامية للخطاب الديني.
ولنا أن نستغرب من ادعاء غريب مفاده أن النزاع الإسلامي الأمازيغي حول الحرف قد دفع "التيار الإسلامي إلى إنضاج تصوراته أكثر في الموضوع والانتقال إلى مرحلة التأسيس الأكاديمي والعلمي (كذا) لاختياراته التفصيلية" ولقد استدل صاحب الادعاء بملف للأمازيغية في مجلة الفرقان وهي مجلة غير محكمة كما استدل بملفين عنها في جريدة يومية وهو ما يذكرنا بخطابات إسلامية تقليدية كانت ترد على نظرية داروين استنادا إلى مقالات منشورة في جريدة الأهرام وهو ما يدل على وجود أزمة في الخطاب الإسلامي ملخصها التهوين من شأن المقاييس الأكاديمية الصارمة والمفروض تمثلها حين الخوض في مجال أكاديمي معروف مثل الهوية اللغوية والتخطيط اللغوي. وتتعمق أخاذيذ أزمة الخطاب الإسلامي حينما تتحول معطيات السياسة وتقلباتها إلى محدد لمستقبل الجدال حول الأمازيغية؛ فالعلاقة المستقبلية بين التيار الإسلامي والتيار الأمازيغي ستخضع "لمعطيات السياسة العامة تجاه الأمازيغية، ومدى نجاح جهود إدماجها التعليمي والثقافي والإعلامي حيث سيؤدي ذلك إلى احتواء التوترات ذات المنشأ السياسي (كذا) ... دون إغفال ما تمثله الحركة الأمازيغية من رهان للحد من التقدم الاجتماعي والسياسي للحركة الإسلامية"
لقد أخفق الخطاب الإسلامي بالمغرب في صياغة خطاب أكاديمي حول الهوية اللغوية الأمازيغية بحيث لم تسهم الحركة الإسلامية في أي مشروع بحثي طموح حول الهوية اللغوية، ولم تصدر كتبا في هذا الشأن كما أنها لم تكون لجانا أكاديمية متخصصة لإثراء النقاش الفكري حول المشروع الأمازيغي بل اكتفت بخطاب سجالي مكتنز سياسيا وغث من حيث المضمون الفكري بل إنها وفي خضم النزاع حول قضية الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية هددت بالنزول إلى الشارع من أجل استفتاء شعبي حول قضية لا يمكن للخطاب التحشيدي حلها على المدى البعيد ولنا فقط أن نتصور في فرنسا مثلا استفتاء على استعمال الحرف العربي في المدارس الفرنسية فالنتيجة معلومة سلفا .
غير أن من شأن هذا الموقف السياسي أن يعرقل جهود الاندماج ويؤدي لا محالة إلى حرب مستعرة على الهوية سيكون الخاسر فيها هو الإسلام والذي سيمثل الخصم الفكري المستقبلي للهوية الأمازيغية. لقد كان الاستغلال السياسي للقضية الأمازيغية في الخطاب الكولونيالي وراء فشله في إبعاد الأمازيغ عن عمقهم العربي والإسلامي من جهة وتحصنهم وراء بعد واحد للهوية وهو الإسلام، ولم يرتبط الخطاب الأمازيغي العالم ( مقابل الشعبي) بالحداثة الغربية في بعدها الإنساني المبشر بحقوق الإنسان إلا حينما خلع الخطاب الغربي لباس الاستعمار وأضحى –على الرغم من ازدواجية معاييره- أكثر وفاء لقيم التحرر الكونية.
خلاصة:
ناقشنا موقف الخطاب الإسلامي المعاصر بالمغرب من قضية الهوية اللغوية ولاحظنا تميز هذا الخطاب بالخصائص التالية:
- السجالية والتسييس
- التأصيلية والأدلجة
- التاريخية المعيارية

ولعل هذه الخصائص هي ما يميز الخطابات الإيديولوجية الساعية دوما إلى احتواء القضايا ذات المنحى الوجودي. ورأينا ان تكيف الخطاب الإسلامي مع مطالب الخطاب الأمازيغي تمليه إكراهات السياسة والمصالح الظرفية مما يشير إلى أن استراتيجية الخطاب الإسلامي استراتيجية احتواء لا استراتيجية فهم واحتفاء وهو ما سيؤدي إلى تعميق القطيعة المعرفية بين التعامل الفكري العميق شبه المعدوم مع مكون الهوية اللغوية والتعامل السياسي المتقلب وهو ما يطرح علينا سؤالا ملحا حول مستقبل المغرب وهو: كيف سنتعامل مع الخطاب الأمازيغي حينما ينتقل من مجرد خطاب حول الهوية اللغوية إلى خطاب حول الهوية الثقافية؟ ونعتقد جازمين أن الموقف السياسي حينها سيكون عاجزا عن إعطاء الأجوبة الكافية لأن الهويات الثقافية شأنها شأن القضايا الوجودية الكبيرة لا تعالج بالسياسة وإنما تعالج بطرح الأسئلة الكبرى من جديد.
عن موقع: هسبريس.

هناك 3 تعليقات:

  1. مفارقة بنيوية في العقل العربي مفادها أن الشرعية ولو من الناحية الظرفية قد حسمت لصالح الإيديولوجيا في مقابل النضال المدني."
    حقيقة مقال جدير ابلتامل والقراءة..وخير ما اعجبني هذه الجملة التي وردت في المقدمة وهي من جوامع الكلم حول ربيع الشعوب.

    ردحذف
  2. في ما يخص الموضوع المناقش في المقال ..اعتقد ان هناك قواسم مشتركة بين قسمات الهوية العربية و الامازيغية..وهي كثيرة و الافضل للخطاب الديني ان لا يغرق في تفاصيلها..لان مواضيع الحطاب الديني تفرغت في عصرنا وباتت اولوياته الهوية الدينية قبل العرقية .

    ردحذف
    الردود
    1. لا ينفي هذا أن على الخطاب الديني الاهتمام أيضا بموضوع العرق

      حذف