الجمعة، 22 نوفمبر 2013

سلسلة آفاق في البحوث الإسلامية (9): حديث الأبدال والأوتاد والنجباء.. بين التصحيح والتضعيف.

هذه القضية في الحقيقة قديمة. لكن تستحق أن تفرد اليوم بدراسة مستقلة، وهي أساسا دراسة حديثية، فلو جمع الدارس بين الحديث الشريف والتصوف كان ذلك أفضل.
وفيما يلي وجهات نظر من صحّح الحديث ومن ضعفه. كذلك بعض المواقع المفيدة:

أولا: الذين حكموا على أحاديث الأبدال بالضعف، أو بالضعف  الشديد.
1- ابن تيمية:
السؤال: سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال: هل هو صحيح أو مقطوع؟
الإجابة: سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال‏:‏ هل هو صحيح أم مقطوع‏؟‏ وهل ‏(‏الأبدال‏)‏ مخصوصون بالشام‏؟‏ أم حيث تكون شعائر الإسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال بالشام وغيره من الأقاليم‏؟‏ وهل صحيح أن الولي يكون قاعداً في جماعة ويغيب جسده‏؟‏ وما قول السادة العلماء في هذه الأسماء التي تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة، ويقولون‏:‏ هذا غوث الأغواث، وهذا قطب الأقطاب، وهذا قطب العالم، وهذا القطب الكبير، وهذا خاتم الأولياء‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل ‏[‏الغوث‏]‏ الذي بمكة، و‏[الأوتاد الأربعة‏]‏ و ‏[‏الأقطاب السبعة‏]‏ و ‏[‏الأبدال الأربعين‏]‏ و‏[‏النجباء الثلاثمائة‏]‏‏:‏ فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى؛ ولا هي أيضاً مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، ولا ضعيف يحمل عليه ألفاظ الأبدال‏.

‏‏ فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن فيهم يعني أهل الشام الأبدال أربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا‏"‏‏، ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف، كما هي على هذا الترتيب‏.‏

ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ، وقد قالها إما آثراً لها عن غيره أو ذاكراً‏.

‏‏ وهذا الجنس ونحوه من علم الدين قد التبس عند أكثر المتأخرين حقه بباطله، فصار فيه من الحق ما يوجب قبوله، ومن الباطل ما يوجب رده، وصار كثير من الناس على طرفي نقيض‏.

‏‏ قوم كذبوا به كله لما وجدوا فيه من الباطل‏.‏

وقوم صدقوا به كله لما وجدوا فيه من الحق، وإنما الصواب التصديق بالحق والتكذيب بالباطل، وهذا تحقيق لما أخبر به النبي عليه السلام عن ركوب هذه الأمة سنن من قبلها حذو القذة بالقذة‏.‏

فإن أهل الكتابين لبسوا الحق بالباطل، وهذا هو التبديل والتحريف الذي وقع في دينهم، ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة، وبالنسخ أخرى، وهذا الدين لا ينسخ أبداً لكن يكون فيه من يدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل، ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفاً عن الرسل، فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فيحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون‏.

‏‏ فالكتب المنزلة من السماء، والأثارة من العلم المأثورة عن خاتم الأنبياء، يميز الله بها الحق من الباطل، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وبذلك يتبين أن هذه الأسماء على هذا العدد، والترتيب والطبقات ليست حقاً في كل زمان، بل يجب القطع بأن هذا على عمومه وإطلاقه باطل، فإن المؤمنين يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقل فيهم السابقون المقربون تارة، ويكثرون أخرى، وينتقلون في الأمكنة، وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة، وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين تعيين العدد‏.‏

وقد بعث الله رسوله بالحق وآمن معه بمكة نفر قليل كانوا أقل من سبعة، ثم أقل من أربعين، ثم أقل من سبعين، ثم أقل من ثلاثمائة فيعلم أنه لم يكن فيهم هذه الأعداد، ومن الممتنع أن يكون ذلك في الكفار‏.‏

ثم هاجر هو وأصحابه إلى المدينة، وكانت هي دار الهجرة والسنة والنصرة، ومستقر النبوة وموضع خلافة النبوة، وبها انعقدت بيعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإن كان قد خرج منها بعد أن بويع فيها، ومن الممتنع أنه قد كان بمكة في زمنهم من يكون أفضل منهم‏.

‏‏ ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين، بل من الصديقين السابقين المقربين عدد لا يحصى عدده إلا رب العالمين، لا يحصرون بثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف، ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان في القرون الخالية من أولياء الله المتقين، بل من السابقين المقربين من لا يعرف عدده، وليسوا بمحصورين بعدد ولا محدودين بأمد، وكل من جعل لهم عدداً محصوراً فهو من المبطلين عمداً أو خطأ، فنسأله من كان القطب والثلاثة إلى سبعمائة، في زمن آدم ونوح وإبراهيم، وقبل محمد عليهم الصلاة والسلام في الفترة حين كان عامة الناس كفرة‏؟‏‏!‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً‏}‏‏ ‏[‏النحل ‏:‏120‏]‏ أي كان مؤمناً وحده وكان الناس كفاراً جميعاً، وفي صحيح البخاري أنه قال لسارة‏:‏ ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك، وقال الله تعالى ‏ {‏‏هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ‏} ‏[‏الجمعة‏:‏2‏]‏‏.

‏‏ وإن زعموا أنهم كانوا بعد رسولنا عليه السلام نسألهم في أي زمان كانوا‏؟‏ ومن أول هؤلاء‏؟‏ وبأية آية‏؟‏ وبأي حديث مشهور في الكتب الستة‏؟‏ وبأي إجماع متواتر من القرون الثلاثة ثبت وجود هؤلاء بهذه الأعداد حتى نعتقده‏؟‏ لأن العقائد لا تعقد إلامن هذه الأدلة الثلاثة، ومن البرهان العقلي ‏{‏‏قٍلً هّاتٍوا بٍرًهّانّكٍمً إن كٍنتٍمً صّادٌقٌينّ‏}‏‏‏[‏ البقرة‏:‏ 111‏]‏، فإن لم يأتوا بهذه الأدلة الأربعة الشرعية فهم الكاذبون بلا ريب، فلا نعتقد أكاذيبهم‏.

‏‏ ويلزم منه أن يرزق الله سبحانه وتعالى الكفار وينصرهم على عدوهم بالذات بلا واسطة، ويرزق المؤمنين وينصرهم بواسطة المخلوقات، والتعظيم في عدم الواسطة، كروح الله، وناقة الله، تدبر ولا تتحير، واحفظ القاعدة حفظاً‏.

‏‏ فأما لفظ الغوث والغياث ‏ فلا يستحقه إلا الله فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، لا بملك مقرب ولا نبي مرسل‏.‏

ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم، ونزول الرحمة إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين، والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ‏}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏67‏]‏، وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏ {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ‏}‏‏ ‏[‏النمل‏:‏ 62‏]‏‏.

‏‏ فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحجاب‏؟‏ وهو القائل تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏186‏]‏، وقال إبراهيم عليه السلام داعياً لأهل مكة‏:‏ ‏{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفي عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء‏}‏‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏37- 39‏]‏ ‏.

‏‏ وقال النبي عليه السلام لأصحابه لما رفعوا أصواتهم بالذكر " أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"‏‏ وهذا باب واسع‏.

‏‏ وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم، لا ظاهراً ولا باطناً بهذه الوسائط والحجاب، فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علواً كبيراً، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لابد في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إلا به، ثم مع هذا يقولون‏:‏ إنه كان صبياً دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة، ولا يعرف له عين ولا أثر، ولا يدرك له حس ولا خبر‏.

‏‏ وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب فيهم مضاهاة للرافضة من بعض الوجوه، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية، والنصيرية، ونحوه في السابق والتالي والناطق، والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب، الذي ما نزل الله به من سلطان‏.‏

وأما الأوتاد‏:‏ فقد يوجد في كلام البعض أنه يقول‏:‏ فلان من الأوتاد، يعني بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان، والدين في قلوب من يهديهم الله به، كما يثبت الأرض بأوتادها، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من العلماء، فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة، والجبال الكبيرة، ومن كان بدونه كان بحسبه، وليس ذلك محصوراً في أربعة ولا أقل ولا أكثر، بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول المنجمين في أوتاد الأرض‏.

‏‏ وأما القطب‏:‏ فيوجد أيضاً في كلامهم فلان من الأقطاب، أو فلان قطب، فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا، باطناً أو ظاهراً فهو قطب ذلك الأمر ومداره، سواء كان الدائر عليه أمر داره أو دربه، أو قريته أو مدينته، أمر دينها أو دنياها، باطناً أو ظاهراً، ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر، لكن الممدوح من ذلك من كان مداراً لصلاح الدنيا والدين دون مجرد صلاح الدنيا، فهذا هو القطب في عرفهم، فقد يتفق في بعض الأعصار أن يكون شخص أفضل أهل عصره، وقد يتفق في عصر آخر أن يتكافأ اثنان أو ثلاثة في الفضل عند الله سواء، ولا يجب أن يكون في كل زمان شخص واحد هوأفضل الخلق عند الله مطلقاً‏.‏

وكذلك لفظ ‏[‏البدل‏]‏ جاء في كلام كثير منهم، فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي عليه السلام، فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان في خلافة علي رضي الله عنه قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال "تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"‏‏ فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام، ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة مثل عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام‏؟‏‏!‏ هذا باطل قطعاً، وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شىء قدراً‏.

‏‏ والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط، فمن تكلم في الدين بغيرعلم دخل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏36‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏33‏]‏ ومن تكلم بقسط وعدل دخل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ‏}‏‏ ‏[‏النساء ‏:‏135‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ‏}‏‏ ‏[‏ الأنعام‏:‏152‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ‏}‏‏ ‏[‏الحديد‏:‏25‏]‏ ‏.

‏‏ والذين تكلموا باسم البدل فسروه بمعان‏:‏ منها أنهم أبدال الأنبياء ومنها أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً، ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض، وبهذا التحرير يظهر المعنى في اسم ‏(‏النجباء‏)‏‏.‏

فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف، مثل تفسير بعضهم ‏[‏الغوث‏]‏ هو الذي يغيث الله به أهل الأرض في رزقهم ونصرهم، فإن هذا نظير ما تقوله النصارى في الباب وهو معدوم العين والأثر شبيه بحال المنتظر الذي دخل السرداب من نحو أربعمائة وأربعين سنة‏.‏

وكذلك من فسر ‏[‏الأربعين الأبدال‏]‏ بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل، بل النصر والرزق يحصل بأسباب من آكدها دعاء المؤمنين، وصلاتهم وإخلاصهم، ولايتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، كما جاء في الحديث المعروف أن سعد بن أبي وقاص قال‏ " يا رسول الله، الرجل يكون حامية القوم، أيسهم له مثل ما يسهم لأضعفهم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏‏ ياسعد، وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم‏"‏‏‏.

‏‏ وقد يكون للرزق والنصر أسباب أخر؛ فإن الفجار والكفار أيضاً يرزقون وينصرون، وقد يجدب الأرض على المؤمنين ويخيفهم من عدوهم لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم، فيجمع لهم بين غفران الذنوب وتفريج الكروب، وقد يملي للكفار ويرسل السماء عليهم مدراراً، ويمددهم بأموال وبنين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون‏.‏

إما ليأخذهم في الدنيا أخذ عزيز مقتدر، وإما ليضعف عليهم العذاب في الآخرة، فليس كل إنعام كرامة، ولا كل امتحان عقوبة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا‏}‏‏ ‏[‏الفجر‏:‏15-17‏]‏‏.‏

وليس في أولياء الله المتقين، ولا عباد الله المخلصين الصالحين، ولا أنبيائه المرسلين، من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس، بل هذا من جنس قول القائلين‏:‏ إن علياً في السحاب، وإن محمد ابن الحنفية في جبال رضوى، وإن محمد بن الحسن بسرداب سامري، وإن الحاكم بجبل مصر، وإن الأبدال الأربعين رجال الغيب بجبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان، نعم قد تخرق العادة في حق الشخص، فيغيب تارة عن أبصار الناس إما لدفع عدو عنه، وإما لغير ذلك، وأما أنه يكون هكذا طول عمره فباطل، نعم يكون نور قلبه وهدى فؤاده وما فيه من أسرار الله تعالى وأمانته وأنواره، ومعرفته غيباً عن أعين الناس، ويكون صلاحه وولايته غيباً عن أكثر الناس، فهذا هو الواقع، وأسرار الحق بينه وبين أوليائه، وأكثر الناس لا يعلمون، وقد بينا بطلان اسم الغوث مطلقاً، واندرج في ذلك غوث العجم ومكة والغوث السابع‏.

‏‏ وكذلك لفظ ‏(‏خاتم الأولياء‏)‏ لفظ باطل لا أصل له، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعى أنه خاتم الأولياء‏:‏ كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم عمر‏:‏ اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما.
 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.
2- السخاوي في كتابه المقاصد الحسنة:
8 حديث ( الأبدال ) له طرق عن أنس رضي الله عنه مرفوعا بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة


44
44
منها للخلال في كرامات الأولياء بلفظ ( الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله رجلا مكانه وإذا ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة )
ومنها للطبراني في الأوسط بلفظ ( لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن عليه السلام فبهم يسقون وبهم ينصرون ما مات منهم أحدا إلا أبدل الله مكانه آخر
ومنها لابن عدي في كامله بلفظ ( البدلاء أربعون اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق كلما مات منهم واحدا بدل الله مكانه آخر فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة )
وكذا يروى كما عند أحمد في المسند والخلال وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا ( لا يزال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن كلما مات واحد أبدل الله عز وجل مكانه رجلا )
وفي لفظ للطبراني في الكبير ( بهم تقوم الأرض وبهم يمطرون وبهم ينصرون )
ولأبي نعيم في الحلية عن ابن عمر رفعه ( خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والابدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر ) قالوا يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال ( يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواصلون فيما أتاهم الله عز وجل )
وفي لفظ للخلال ( لا يزال أربعون رجلا يحفظ الله بهم الأرض كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر وهم في الأرض كلها )
وفي الحلية أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه رفعه ( لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الابدال إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة ) قالوا فبم


45
45
أدركوها يا رسول الله قال ( بالسخاء والنصيحة للمسلمين )
والجملة الأخيرة تروى كما للطبراني في الأجواد وغيره كأبي بكر ابن لال في مكارم الأخلاق عن أنس رضي الله عنه رفعه بلفظ ( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام ولكن دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للمسلمين )
وللخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد نحوه
وبعضها أشد في الضعف من بعض وآخرها جاء عن فضيل بن عياض رحمه الله من قوله بلفظ لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة
وأحسن مما تقدم لأحمد من حديث شريح يعني ابن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي رضي الله عنه وهو بالعراق فقالوا العنهم يا أمير المؤمنين قال لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ) ورجاله من رواة الصحيح إلا شريحا وهو ثقة وقد سمع ممن هو أقدم من علي ومع ذلك فقال الضياء المقدسي إن رواية صفوان بن عبد الله عن علي رضي الله عنه من غير رفع لا تسبوا أهل الشام جما غفيرا فإن فيها الأبدال قالها ثلاثا أولى أخرجها عبد الرزاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل ورواها غيرهما بل أخرجها الحاكم في مستدركه مما صححه من قول على نحوه
ورآى بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له أين بدلاء أمتك فأومأ بيده نحو الشام وقال فقلت يا رسول الله أما بالعراق أحد منهم قال بلى وسمى جماعة
ومما يتقوى به هذا الحديث ويدل لانتشاره بين الأئمة قول إمامنا الشافعي رحمه الله في بعضهم كنا نعده من الأبدال وقول البخاري في


46
46
غيره كانوا لا يشكون أنه من الأبدال
وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال
ويروى في حديث مرفوع ( ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال الرضا بالقضاء والصبر عن المحارم والغضب لله )
وعن بعضهم قال أكلهم فاقة وكلامهم ضرورة وعن معروف الكرخي قال من قال اللهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه الله من الأبدال وهو في الحلية بلفظ من قال في كل يوم عشر مرات اللهم أصلح أمة محمد اللهم فرج عن أمة محمد اللهم ارحم أمة محمد كتب من الأبدال وعن غيره قال علامة الأبدال أن لا يولد لهم
بل يروى في مرفوع معضل ( علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا )
وقال يزيد بن هارون الأبدال هم أهل العلم
وقال الإمام أحمد إن لم يكونوا أصحاب الحديث فمن هم
وقال بلال الخواص فيمارويناه في مناقب الشافعي ورسالة القشيري كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فتعجبت منه وألهمت أنه الخضر فقلت له بحق الحق من أنت قال أنا أخوك الخضر فقلت له أريد أن أسألك قال سل قلت ما تقول في الشافعي قال هو من الأبدال قلت فما تقول في أحمد قال رجل صديق قلت فما تقول في بشر بن الحارث قال رجل لم يخلق بعده مثله قلت فبأي وسيلة رأيتك قال ببركة أمك
وروينا في تاريخ بغداد للخطيب عن الكتاني قال النقباء ثلثمائة والنجباء سبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد فمسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الأبدال الشام والأخيار سياحون في الأرض والعمد في زوايا الأرض ومسكن


47
47
الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته
وفي الإحياء ويقال إنه ما تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا يطلع الفجر من ليلة إلا ويطوف به واحد من الأوتاد وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض وذكر أثرا
إلى غير ذلك من الآثار الموقوفة وغيرها وكذا من المرفوع مما أفردته واضحا بينا معللا في جزء سميته ( نظم اللآل في الكلام على الأبدال )
3- سعد عبد الله البريك:
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , محمد وآله وأصحابه ومن سار على سنتهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن لفظ الأبدال من الألفاظ التي استعملت في معاني باطلة عند الصوفية وغيرهم، ولذلك أحببنا بيان المعنى الصحيح عند أهل السنة وذلك على النحو التالي: فقد جاء في أمر الأبدال أحاديث عن علي بن أبي طالب، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأم سلمة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، وغيرهم، قال عنها غير واحد من الحفاظ: إنها لا تصح.
فقد أورد الحافظ ابن الجوزي-رحمه الله- عدة أحاديث من أحاديث الأبدال في كتاب"الموضوعات" (2/337) وعلق عليها بعد سردها بأسانيدها قائلاً:"ليس في هذه الأحاديث شيء يصح".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-في"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص/38):"فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في "المنار المنيف" (ص/103):"أحاديث الأبدال، والأغواث، والنقباء، والنجباء، والأوتاد، كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقال الحافظ السخاوي في"المقاصد الحسنة" (ص/8):"حديث الأبدال له طرق عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة".
وقال الشيخ الألباني في"السلسلة الضعيفة"(5/520):"لا يصح منها شيءٌ، وألفاظها مختلفة جدًا، بحيث لا يمكن القول بأن متنًا معينًا منها حسن لغيره".
وفي هذه الأقوال رد على محاولة الحافظ السيوطي تقويته لهذه الأحاديث في رسالته"الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال" وهي مطبوعة ضمن كتاب الحاوي للفتاوى (2/241- 255) وهذه الرسالة قال عنها الشيخ الألباني-رحمه الله- في"الضعيفة"(3/671):"وقد حاشاها- أي السيوطي- بالأحاديث الضعيفة، والآثار الواهية، وبعضها أشد ضعفًا من بعض".
وسوف أذكر أهم هذه الأحاديث: ففي حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا:"الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسْقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب".
أخرجه عبد الله بن أحمد في"زوائد المسند" (1/112) وقد ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية في"مجموع الفتاوى"(11/434) سندًا ومتنًا فقال:"فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا".
وقال في (ص/441):"فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان في خلافة علي رضي الله عنه قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال:"تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام؛ ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة مثل: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام؟! هذا باطل قطعًا، وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شيء قدرًا".
وقال أيضًا في"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"(ص/38- 39):"وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلاً وأنهم بالشام وهو في المسند من حديث علي رضي الله عنه ، وهو حديث منقطع ليس ثابت، ومعلوم أن عليًا ومن معه من الصحابة كانوا أفضل من معاوية، ومن معه بالشام فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي.
قد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" وهؤلاء المارقون هم الخوارج فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام؛، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام؟!".
وقد ضعف هذا الحديث أيضًا: ابن القيم في"المنار المنيف"(ص/103) بقوله:"ولا يصح...فإنه منقطع".
وقال الشيح أحمد شاكر -رحمه الله- في "التعليق على المسند":"إسناده ضعيف لانقطاعه".
وضعفه الألباني في"السلسة الضعيفة"(2993).
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل، كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً".
أخرجه أحمد في مسنده (5/322) وقال:"وهو منكر".
وضعفه الألباني في"السلسلة الضعيفة"(936) وصدره بلفظ:"منكر".
ولعبادة رضي الله عنه حديث آخر بلفظ:"الأبدال من أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون وبهم تنصرون".
قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(10/63):"رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص وكلاهما لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وضعفه الألباني في"الضعيفة"(2/340) بقوله:"وهو ضعيف أيضًا فيه من لا يعرف".
وفي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن شهر بن حوشب قال:لما فتحت مصر سبوا أهل الشام فأخرج عوف بن مالك رأسه من ترس ثم قال:يا أهل مصر أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"فيهم الأبدال وبهم تنصرون وبهم ترزقون".
رواه الطبراني في"المعجم الكبير"(18/65) رقم(120) وإسناده ضعيف جداً: لعلتين: أحدهما: عمرو بن واقد قال فيه الحافظ ابن حجر في"تقريب التهذيب"(5167):"متروك".
الثانية: شهر بن حوشب قال فيه ابن حجر في"تقريب التهذيب"(2846):"صدوق كثير الإرسال والأوهام".
وبهما أعله الشيخ الألباني في"الضعيفة" (2/341).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لن تَخْلُو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم تُرْزَقُون وبهم تُمْطَرون".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/61) ومن طريقه ابن الجوزي في"الموضوعات"(2/336) عن عبد الرحمن بن مرزوق حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
في إسناده وضاع: هو عبد الرحمن بن مرزوق.
قال ابن حبان عنه:"شيخ كان بطرسوس بضع الحديث لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه".
ولذلك حكم عليه ابن الجوزي بالوضع، وقال الحافظ الذهبي في"تلخيص كتاب الموضوعات" (ص/308):"مثل إبراهيم ! يا ليت شعري فبماذا ؟! فوالله، ما في أمة نبينا أحد مثل أبي بكر وبينه وبين إبراهيم من الفضل ما لا يحصيه بشر.
ولكن هذا وضع عبد الرحمن بن مرزوق الطرطوسي لا نَجَّاه الله".
وقد استنكر شيخ الإسلام ابن تيمية معنى هذه الأحاديث فقال في"مجموع الفتاوى" (11/442):"وكذلك من فسر"الأربعين الأبدال" بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل؛ بل النصر والرزق يحصل بأسباب من آكدها دعاء المؤمنين، وصلاتهم ولإخلاصهم، ولا يتقيد ذلك بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر؛ كما جاء في الحديث المعروف أن سعد بن أبي وقاص قال يا رسول الله! الرجل يكون حامية القوم، أيسهم له مثل ما يسهم لأضعفهم؟ فقال:"يا سعد! وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم".
وقد يكون للرزق والنصر أسباب أخر".
وفي حديث ابن عمر رضي الله عهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة يَنْقصون، ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه، وأدخل من الأربعين مكانه.
قالوا: يا رسول الله ! دلنا على أعمالهم، قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل".
أخرجه أبو نعيم في"الحلية"(1/8)من طريق الطبراني، وعنه ابن الجوزي(2/2/336): عن سعيد بن أبي زيدون حدثنا عبد الله بن هارون الصوري حدثا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر به.
وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع ، وقال:"فكثير من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف".
وأقره السيوطي في اللآلئ المصنوعة(2/279) بقوله:"لا يصح فيه من لا يعرف".
قال العلامة الألباني في "الضعيفة"(935) :"موضوع: وهذا سند مظلم، سعيد بن أبي زيدون وعبد الله بن هارون لم أعرفهما، إلا أن الثاني منهما أورده الذهبي في "الميزان" وقال:"عن الأوزاعي، لا يعرف، والخبر كذب في أخلاق الأبدال".
قلت: وهو هذا، وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان"".
وقال أيضاً العلامة المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص/245):"هو عبد الله بن هارون الصوري، رواه بوقاحة عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر، وفي ترجمته من الميزان واللسان"لا يعرف والخبر كذب"".
وفي حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البدلاء أربعون: اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، كلما مات منهم واحد بدَّل الله مكانه آخر فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة".
أخرجه ابن عدي في"الكامل"(5/220- 221) في ترجمة العلاء بن زيد الثقفي ويقال له ابن زَيْدَل.
وعده من مناكيره فقال:"يحدث بأحاديث عداد مناكير".
وقال أيضًا:"وللعلاء بن زَيْدَل هذا غير ما ذكرت من الحديث وهو منكر الحديث".
وحكم ابن الجوزي بوضعه فقال في"الموضوعات" (2/337):"وأما حديث أنس ففيه العلاء بن زيدل.
قال ابن المديني: كان يضع الحديث وقال أبو داود والدارقطني: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلا تعجباً".
وقال الألباني في"الضعيفة"(5/521):"وهذا موضوع، آفته العلاء هذا.
قال الذهبي:"تالف، قال ابن المديني:كان يضع الحديث".
وقال أيضًا ابن حجر في"تقريب التهذيب"(5274):"متروك، رماه أبو الوليد بالكذب".
ولحديث أنس طريق آخر: أخرجه ابن الجوزي في"الموضوعات" (2/337):من طريق الحسن بن محمد الخلال حدثنا أبو بكر بن شاذان حدثنا عمر بن محمد الصابوني حدثنا إبراهيم بن الوليد حدثنا أبو عمر الغُداني حدثنا أبو سلمة الحراني عن عطاء عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" البدلاء أربعون رجلاً وأربعون امرأة،كلما مات رجل بدَّل الله مكانه رجلاً، وكلما ماتت امرأة أبدَّل الله مكانها امرأة".
قال ابن الجوزي:"فيه مجاهيل".
وقال العلامة المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص/246):"وأما طريق الخلال: ففي سنده مجاهيل، كما قال ابن الجوزي، يوجد من يسمون تلك الأسماء، لكن لا تستقيم رواية بعضهم عن بعض، وهذا يشعر بأن السند مركب".
ومما يؤكد نكارة هذا المتن وغيره قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(11/435):"وليس من شرائط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة، وليس من شرائط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين تعيين العدد".
ولذا قال العلامة الألباني في"الضعيفة"(5/520):"وأما عددهم ومكانهم، فالراويات مضطربة جداً، لا يمكن الاعتماد على شيء منها".
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ،ولله تعالى في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ،ولله تعالى في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ،ولله تعالى في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ،ولله تعالى في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ،فإذا مات الواحد أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة،وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة،وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة،وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة.
فبهم يحيى ويميت، ويمطر وينبت ويدفع البلاء".
قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيى ويميت! قال:"لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض.
ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء".
أخرجه أبو نعيم في"الحلية" (1/8-9) ومن طريقه ابن الجوزي في"الموضوعات" (2/335-336): عن عبد الرحيم بن يحيى الأدمي حدثنا عثمان بن عمارة حدثنا المعافي بن عمران عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله به.
وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع وقال:"فكثير من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف".
وقال الذهبي في"تلخيص كتاب الموضوعات"(ص/307):"وهذه ظلمات بعضها فوق بعض، الوضع من أحدهم".
وقال أيضاً في"الميزان" (2/608) في ترجمة عبد الرحيم بن يحيى الأدمي:"عن عثمان بن عمارة بحديث الأبدال.
أتَّهِمُهُ به أو عثمان.
يأتي في ترجمة عثمان".
وقال أيضاً في (3/50) بعد ذكره هذا الحديث في ترجمة عثمان بن عمارة:"وهو كذب، فقاتل الله من وضع هذا الإفك".
ولذا قال العلامة المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص/246):"هو من طريق عبد الرحيم بن يحيى الأدمي، ثنا عثمان بن عمارة، وهما مجهولان، والمتهم بوضعه أحدهما،وفي الميزان:"فقاتل الله من وضع هذا الإفك"".
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً:"يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم البيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام، وعصائب العراق فيبايعونه..." الحديث.
أخرجه أحمد(6/316)، وأبو داود(4286)من طريق هشام عن قتادة عن أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة به.
قال العلامة الألباني في"الضعيفة"(1965):"ضعيف: ورجاله ثقات غير صاحب أبي خليل، ولم يسم، فهو مجهول".
ثم بين أن الرواة اختلفوا في إسناده على قتادة على وجوه أربعة ذكرها وخلص بأن الوجه الراجح من بين جميع الوجوه هو: قتادة عن أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة.
ثم قال:"ولما كان مداره على صاحب أبي الخليل غير مسمى في طريق معتبر سالم من علة كان هو العلة.
والله أعلم".
وقد تمسكت الصوفية ومن نحا نحوهم بهذه الأحاديث فعرفوا "الأبدال" بتعريفات مأخوذة من بعض ما جاء في هذه الأحاديث، فقد قال ابن عربي الصوفي صاحب وحدة الوجود في كتابه"الفتوحات المكية" (2/376):"إن ثم رجلاً سبعة يقال لهم الأبدال، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة لكل بدل إقليم، وإليهم تنظر روحانيات السماوات والأرض".
ويقول الجرجاني في"التعريفات" (ص/43):"البدلاء هم سبعة رجال من سافر من موضع، وترك جسدًا على صورته حيًّا بحياته، ظاهرًا بأعمال أصله بحيث لا يعرف أحد أنه فقد، فذلك هو البدل لا غيره، وهو في تلبيسه بالأجساد والصور على صورته على قلب إبراهيم عليه السلام ".
وكذا في كتاب"الدرة الخريدة على الياقوتة الفريدة" (1/49) لمحمد فتحا بن عبد الواحد السوسي النظيفي وهو من الكتب المؤلفة في الطريقة التيجانية الصوفية.
وقال المناوي في"التوقيف على مهمات التعاريف" (ص/29- 30):"وهم عند قوم: سبعة لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، ولكل بلدٍ إقليمٌ فيه ولايتُه.
منهم واحدٌ على قَدم الخليل وله الإقليم الأول، والثاني: على قدم الكليم، والثالث: على قدم هارون، والرابع: على قدم إدريس، والخامس: على قدم يوسف، والسادس: على قدم عيسى، والسابع: على قدم آدم على ترتيب الأقاليم.
وهم عارفون بما أودع الله في الكواكب السيارة من الأسرار والحركات والمنازل وغيرها.
ولهم من الأسماء أسماء وصفات.
وكل واحدٍ بحسب ما يُعطيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي من الشمول والإحاطة".
وقال السيوطي في رسالة "الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال" (مطبوعة ضمن كتاب الحاوي للفتاوى 2/254) : "فائدة: في كتاب كفاية المعتقد لليافعي نفعنا الله تعالى به قيل:إنما سمي الأبدال ابدالاً لأنهم إذا غابوا تبدل في مكانهم صور روحانية تخلفهم.
وبنى على ذلك ما حُكي عن الشيخ مفرج الدماميلي أنه رآه بعض أصحابه يوم عرفة بعرفة ورآه آخر في مكانه من زاوية بدماميل لم يفارقه في جميع ذلك اليوم فلما رجع الحاج ذكر كل واحد منهما لصاحبه وتنازعا في ذلك وحلف كل بالطلاق فاختصما إليه فأقرهما وأبقى كلا منهما على الزوجية فسئل عن الحكمة في عدم حنث الاثنين مع كون صدق أحدهما يوجب حنث الآخر؟ فقال: الولي إذا تحقق في ولايته مكن من التصور في صور عديدة وتظهر روحانيته في وقت واحد في جهات متعددة فالصورة التي ظهرت لمن رآها بعرفة حق والصورة التي رآها الآخر في مكانه في ذلك الوقت حق؛ كل منهما صادق في يمينه ولا يلزم من ذلك وجود شخص في مكانين في وقت واحد لأن ذلك إثبات تعدد الصورة الروحانية لا الجسمانية" ـ وما هذا إلا من صنيع الشيطان، جاء على صورة ذلك الرجل في عرفة، ليغوي هؤلاء!! انظر ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان "ص/173- 174).
.
وقال الفيروز آبادي في"القاموس المحيط"(ص/1247):"الأبدال: قوم بهم يقيم الله -عز وجل- الأرض، وهم سبعون: أربعون بالشام، وثلاثون بغيرها.
لا يموت أحدهم إلا قام مكانه آخر من سائر الناس".
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- هذه المعاني في الجملة بقوله في"مجموع الفتاوى" (11/442):"فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف".
وقال أيضًا في (ص/441):" والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط، فمن تكلم في الدين بغير علم دخل في قوله تعالى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:36]، وفي قوله تعالى:{وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:169]، ومن تكلم بقسط وعدل دخل في قوله تعالى:{يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ}[المائدة:8]، وفي قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}[الأنعام:152]، وفي قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد:25]".
ثم بين بطلان بعض هذه المعاني (ص/436) بقوله: "ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين؛ بل من الصديقين السابقين المقربين عدد لا يحصى عدده إلا رب العالمين، لا يحصرون بثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف، ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان في القرون الخالية من أولياء الله المتقين؛ بل من السابقين المقربين من لا يعرف عدده، وليسوا بمحصورين بعدد ولا محدودين بأمد، وكل من جعل لهم عددًا محصورًا فهو من المبطلين عمدً أو خطأً ".
فتبين من ذلك أن الأبدال، لا يصح فيها حديث، وأن هذه التعريفات باطلة لما تقدم.
ومع ضعف هذه الأحاديث إلا أن لفظ "الأبدال" مشهور عند كثير من السلف.
وأقدم من ذكر عنه هذا اللفظ من السلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد أخرج الضياء المقديسي في"المختارة"(2/111) رقم(485) من طريق صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال: قام رجل يوم صفين فقال: اللهم العن أهل الشام.
فقال علي:"مَهْ لا تسب أهل الشام جمًا غفيرًا، فإن فيهم الأبدال".
وفي رواية(2/111- 112)رقم (486): "أن عليًّا قام بصفين، وأهل العراق يسبون أهل الشام.
فقال: يا أهل العراق! لا تسبوا أهل الشام جمًا غفيرًا, فإن فيهم رجالاً كارهين لما ترون، وإنه بالشام يكون الأبدال".
وليس فيه حصرهم بعدد، ولا حدهم بمكان إنما فيه الإخبار بأن في الشام أبدال-أي أولياء لله كما سيأتي بيانه في التفسير الصحيح للفظ الأبدال- لما سمع سب أهل الشام، وهذا من إنصاف علي بن أبي طالب t.
وذلك على خلاف ما جاء في الأحاديث المرفوعة ومنها حديث علي رضي الله عنه "الأبدال يكنون بالشام وهم أربعون رجلاً" الحديث وقد سبق ذكره، والله أعلم.
قال الضياء:"وصفوان بن عبد الله= =بن صفوان، سمع عليًا وغيره، فكأن الموقوف أولى، والله أعلم".
وصححه الألباني في"الضعيفة"(6/565) بقوله:"وقد صح من طرق أخرى عن علي موقوفًا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص/38):"ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ، إلا بلفظ الأبدال".
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" (11/441):"وكذلك لفظ "البدل" جاء في كلام كثير منهم".
وقال الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/9):"ويدل لانتشاره بين الأئمة قول إمامنا الشافعي في بعضهم: كنا نعده من الأبدال.
وقول البخاري في غيره: كانوا لا يشكون أنه من الأبدال، وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال".
وقال أيضًا العلامة الألباني في"الضعيفة"(5/520):"غاية ما في الأمر، أن هذه الروايات وغيرها مما روي تلتقي كلها على الاعتراف بوجود الأبدال، ويشهد لذلك استعمال أئمة الحديث كالشافعي وأحمد والبخاري وغيرهم لهذا اللفظ، فنجدهم كثيرًا ما يقولون: فلان من الأبدال.
ونحو ذلك".
والذي يظهر أنهم يريدون بهم أنهم أولياء الله المتقون أو العباد الأتقياء، وأنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات[انظر النهاية لابن الأثير (1/107)، مجموع الفتاوى (11/442)]، وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في "الفتاوى"(1/258):"أحاديث الأبدال فيها ضعف؛ ولكن -والله أعلم- هم أئمة الدين الذين لا يضرهم من خذلهم والذين يذبون عن الدين ويكون جمعاً بين الأخبار".
فهذا معنى حق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في "مجموع الفتاوى"(11/442):"وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض".
فليس لأحد منهم تصرف في الكون أو مشاركة لله في أسمائه وصفاته، إلى غير ذلك مما تخلعه الصوفية على أوليائهم!! وبهذا التحرير يظهر المعنى الصحيح للفظ الأبدال الذي جاء في كلام السلف.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق