الأحد، 14 سبتمبر 2014

سؤال متكرر: لماذا خلقنا الله سبحانه؟

سؤال يتكرر من بعض الشباب، أحببت أن اجيب عنه هنا باختصار، وربما أعود إليه:
لماذا خلقنا الله سبحانه؟
الله سبحانه ليس له بداية، فهو الأول، وليس له نهاية فهو الآخر.. وقد خلقنا وهو غير محتاج إلينا. إنه غني واسع الغنى، وملكه عظيم هائل لا حدود له.. ونحن على وجه هذه الكرة الأرضية مجرد نقطة في بحر، مجرد ذرة في الكون الهائل.. توجد نجوم أضخم من الأرض بملايير المرات.. نحن نسبح على ظهر هذه السفينة الأرضية في بحر واسع لا حدود له، بل هو بحر يتسع باستمرار ولا يتوقف عن النمو..
من نحن في هذه الأبعاد التي لا يتخيلها الإنسان.. هذه الامتدادات النهائية في الزمان والمكان.. ماذا  تشكل الكرة الأرضية في هذا الكون العظيم.. وماذا يشكل عمر الإنسان في هذا العمر الممتد الذي لا تبدو له نهاية من عمر الكون.. لذلك  في أعماقنا  لا يمكن إلا أن نقابل الكبرياء البشرية  حين نلتقي ببعض صورها في الحياة إلا بالسخرية أو بالشفقة.. الإنسان لوحده ليس عظيما، ولا حتى مهما.. إنه وجود تافه..  إنه الخسران: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا  بالحق وتواصوا بالصبر ).
شيء واحد يغير هذه المعادلة جذريا..  شيء واحد يخرجنا من هذا البؤس ومن هذه الحقائق الكئيبة: الله جل جلاله. حين نستحضر أن الله خلقنا في هذا الكون، وأنه أكرمنا بأشياء  كثيرة أولها أنه أخرجنا من العدم، وأنه سوَّى خلقنا، ورزقنا، وفتح عيوننا وعقولنا على هذا الكون الجميل.. وأنه استخلفنا في الأرض.. هذا يغير من نظرتنا إلى أنفسنا: نحن لسنا ضائعين في هذا الوجود الصامت/العابد في آن واحد.. نحن لسنا تافهين.. ولسنا وحدنا.. رحمة الله تظللنا، وعينه سبحانه ترقبنا.. حتى في هذه النقطة البعيدة في الكون.. على هذه الأرض.. فإن ربنا قريب منّا يرانا ويعرف كل شيء عنّا.. لذلك نؤمن بالله، ولذلك نحب الله: هذا الخالق العظيم الجليل الجميل الكريم اللطيف.. هو الذي جعل لوجودنا الصغير المحدود معنى، وهو الذي يعطي لمستقبلنا بعد الموت أملا.. لذلك فهو سبحانه يستحق منا العبادة.. وما العبادة إلا الاعتراف بفضل الله.. أيضا يستحق منا المحبة.. فلولا أنه يحبنا ما خلقنا ولا أعدّ لنا هذا الكون الفريد، ولا كان يعبأ بنا أصلا.   لذلك فنحن على ثقة أننا حين سنموت سنرجع إلى  هذا الخالق العظيم، ونحن على يقين أنه سيحسن استقبالنا وأنه سيتجاوز عن قصورنا وغرورنا الطفولي ودعاوانا الحمقاء.. وما أكثرها.. وأننا آنذاك سنجد أجوبة لأسئلة ربما لم نجد لها جوابا في وجودنا الحالي الذي هو وجود عابر.. سنعيش بإذن الله إلى جوار هذا الإله الواحد  الجليل.. إلى الأبد.. عيش كريم في جوار رب كريم..  لذلك نحن من يحتاج إلى الله، بينما  الله لا يحتاج لأحد.. هذه قوة الدين، وهذه عبقرية الإيمان.
هذا الإله العظيم الكبير العليّ الجليل من صفاته الخلق، فخلق الكون وأبدعه وأتقن صنعه. في الكون ظهرت صفاته،
 فهو عظيم لذلك فالكون هائل.
 وهو حكيم لذلك كل شيء بحساب حتى إنه سبحانه خلق الكون – كما قال ذلك الإيطالي غاليليو- في لغة رياضيات... الرياضيات تسري في الكون وتنظمه.
 وهو جبّار لذلك في الكون قوة كما في الزلازل والبراكين والأمواج العالية والأصوات المخيفة.
 وهو جميل لذلك فالكون جميل: الألوان والروائح والأشكال والأذواق والنظام والترتيب.. كل شيء جميل.
وهكذا.. لن ننتهي من المقابلات، لكن القاعدة أن الكون انعكاس لصفات الرب وأسمائه.. فأنت حين تنظر في الكون ترى من ورائه الخالق الجليل في كل أمر كبير أو صغير.. لذلك الله أقرب  إلينا مما نتصور.
ومن ضمن العوالم التي خلقها الله سبحانه: الإنسان.
أراد الله سبحانه أن يخلق عوالم عاقلة تعرفه وتتعرّف عليه، وتحبه ويحبها، وتعيش إلى جواره. ليس لأنه محتاج إليها، ألا ترى أن وجود الإنسان مثلا لا يتجاوز بضع عشرات آلاف السنين، بينما الوجود أقدم بكثير... ففي الأزل كان الله ولم يكن شيء معه. لكن لسبب آخر أنه كريم جواد.. فمن صفات الله العطاء.. العطاء بلا حدود، والخير بلا قيود.. ومقابل العطاء لابد أن يوجد الفقر وتوجد الحاجة.. لذلك خلقنا فقراء ومحتاجين..
في بعض الحكم القديمة: قال الله سبحانه: كنت كنزا مخفيا فخلقت العالم ليعرفني..
لذلك نحن في الحياة في مغامرة: مغامرة استكشاف.. لكي نعرف ذرة من حكمة الخالق العظيم.. نقضي أعمارنا في المختبرات العلمية ندرس الخلايا أو الذرات أو.. أو.. فنتعرف كل يوم على جديد، ونفهم كل يوم أمرا من الأمور، ونزداد حكمة.. نكتشف جزءا بسيطا من دقة صنع الخالق الكبير، فنشعر بالسعادة لأجل ذلك، ونحس في أعماقنا بالإعجاب.. ثم تنتصب أسئلة أخرى وإشكالات أخرى، فنواصل البحث.. ونواصل الاستكشاف.. ونتقرّب أكثر إلى هذا الخالق الجليل..
هكذا الحياة مغامرة ورحلة استكشاف وتعلم وتقرّب.. رحلة طويلة تخوضها أجيال متتابعة من البشرية ولا تنتهي.. إلا بأجل معيّن حين تصل هذه الرحلة إلى نهايتها.. من يقدّر هذه النهاية: الخالق الذي خلقنا أول مرة، هو من ينهي هذه المغامرة يوما ما.. ثم ينقلنا إلى عالم آخر، عالم لا مغامرة فيه، لكنه عالم يرى فيه الإنسان كل شيء ويفهم كل الأمور التي شغلت باله ويفك كل الألغاز.. ولأن الله سبحانه جواد كريم، فإنه سيترك هذا الإنسان يعيش إلى الأبد إلى جواره.. لذلك لا موت في العالم الآخر، بل خلود سرمدي أبدي.. لا ينتهي.. في ملكوت الله، وقريبا من الله.. في ذاك العالم يذهب الناس كل يوم ويرون ربهم مباشرة .. يرونه على حقيقته سبحانه وجل جلاله..
وعالمنا هذا أحد العوالم فقط، توجد عوالم للملائكة وللجن، ولمخلوقات أخرى عاقلة لا نعرفها ولا نعرف عنها شيئا.. فالله (رب العالمين). 
لذلك لا نملك إلا نشكر الله أن خلقنا وزودنا بالإحساس والعقل والشعور.. كان يمكن له سبحانه أن يخلقنا على شكل حجر.. أو على شكل حشرة.. بل كان يمكن ألاّ يخلقنا أصلا..
لقد كنّــا في العدم.. لم نكن شيئا.. هو سبحانه أخرجنا من العدم إلى الوجود.. من يتمنى أنه لم يخلق أصلا.. من يتمنى أن يبقى في العدم؟
من أعماقنا نشعر بالامتنان لهذا الخالق الودود اللطيف.. شكرا لك ربي. 
 
 
 

هناك 4 تعليقات: