الجمعة، 6 مارس 2015

إلياس بلكا: (أحمد عصيد: مشروع مفكر أمازيغي لم يكتمل).


         أحمد عـــصـيد: مشروع مفكر أمازيغي لم يكتمل.

إلياس بلكا


رأينا في الحلقة الماضية كيف أنه لم يوجد تاريخيا مثقف أمازيغي، بالمعنى الإيديولوجي للحركة الأمازيغية المعاصرة.. ورأينا كيف تفتقد هذه الحركة اليوم إلى مفكرين من "الوزن الثقيل".

حتى الأستاذ عصيد لا يخرج عن هذه القاعدة. وربما كان للبدايات الشعرية والغنائية للأستاذ دور كبير في هذه المحدودية العلمية، كما ترى ذلك بوضوح في سيرته وفي منشوراته: حمو أونامير. الرايس محمد الدمسيري. الرايس سعيد أشتوك. أنعيبار، ديوان بالاشتراك. إماريرن: شعراء أحواش..

وهذه في الحقيقة قيمة الدراسة الأكاديمية العليا في مرحلة الدكتوراه، فهي تعلمك آداب العلم ومناهج البحث وتواضع العلماء والقدرة على بحث إشكالية واحدة بعمق والخروج بنتائج.. كما تعلمك ملكة الصبر على موضوع واحد وإيفائه حقه وعدم القفز المتعجل من موضوع إلى آخر وفق "المزاج"..  ولست أعني أن الأستاذ عصيد غير قادر على إنجاز بحث دكتوراه، حاشا.. فهو ذكي وله مواهبه وقدراته الخاصة، لكن ربما ظروف الحياة لم تسمح..

لكن النتيجة الواقعية أن عصيدا لا يتقن أيّ علم حقيقي قائم الذات ومعترف به عالميا.

هو في التاريخ مجرد هاوٍ يتصيّد ما يريد من الأحداث ويفسرها على طريقته، ويتغافل عن سياقاتها، كما يتغافل عن الأحداث التي لا تعجبه والتي لا تخدم مشروعه. بينماالحقيقة أنه لم يدرس بعمق التاريخ الحضاري للإسلام.

قد يعجب مثقف عادي، أو قارئ شبه أمّي.. بما كتبه عصيد عن بعض صفحات  التاريخ الإسلامي.. لكن أيّ مثقف له خبرة في التعامل مع التاريخ وقضاياه، وقرأ لمؤرخين محترفين لا يمكنه إلاّ أن يلاحظ أن آراء عصيد أقرب إلى خربشات الأطفال على سبورات المدارس.

إنك إذا أردت أن تعرف القيمة العلمية لما يكتبه عصيد أو يعلَق عليه من أحداث تاريخية.. فقارنه بكلام المؤرخين المغاربة الكبار: عبد الله العروي، وإبراهيم بوطالب.. بل أقول: هو بطل من يقرأ ويستوعب أعمال المؤرخ أحمد الطاهري في العصور الإسلامية الأولى للمغرب والأندلس.

وباع الأستاذ في علوم اللغة واللسانيات محدود، عكس باحثين أمازيغيين كمحمد شفيق وأحمد بوكوس  من جيل الكبار، وعبد السلام خلفي من جيل الشباب.. أولائك الذين لا تملك إلا أن تحترمهم في مجال تخصصهم رغم أنك لا تتفق معهم في كل ما كتبوا.

أما العلوم الإسلامية والتي يتعرض عصيد لكثير من قضاياها، فإنه لم يدرس ولا واحدا من هذه العلوم دراسة عميقة: لا العقائد، ولا التفسير، ولا الحديث، ولا الفقه، ولا أصوله.. ولا أيّ علم. ولا يعرف كبير شيء عن التصوف، وليس له أيّ خبرة بالفقه.. لذلك لا عجب أن يطلق أحكاما متسرعة على هذه العلوم ورجالها وتفاعلاتها الاجتماعية والفكرية والسياسية في تاريخنا .

كذلك في علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا لم يقدم شيئا، بل إن الأنثروبولوجي ديفيد هارت خدم الأمازيغية بشكل أفضل بدراسته العالية عن قبيلتيْ آيث ورياغل وآيت عطا.

وهذه هي المجالات والعلوم التي تشتغل عليها القضية الأمازيغية.

إن خبط الأستاذ عصيد كثير ومتنوع، وتسجيل أخطائه ومناقشتها يستغرق كتابا كاملا.

وإذا كان هذا حال كتابه الأهم (الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي)، والذي لا يحمل إضافات علمية حقيقية بقدر ما هو تلخيص وجمع انتقائي إيديولوجي لمعلومات وكتابات سابقة ومعروفة.. فلك أن تتصور حال كتبه ومقالاته الصحفية.

لذلك فكتابه الآخر (سياسة تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب)  نموذج آخر للجمع والحشد في غياب الإبداع الإيديولوجي الضروري لكل حركة تريد أن تغيّر الدول والمجتمعات..

أما كتاباه الآخران: "رسائل إلى النخبة المغربية" و"أسئلة الثقافة والهوية في المغرب المعاصر"..  فيكرران الفكرة الأمازيغية الرئيسة، وهي أن المغرب في الأصل أمازيغي، ويجب أن يعود كذلك على مستوى اللغة والثقافة.. ونحو ذلك مما لا يمكن تفصيله هنا.

وليس هذا رأيي فقط، فهو رأي جماعة منهم صديقي الأمازيغي عبد الله زارو، الباحث والمترجم المعروف، فقد كتب ضمن مقالة له: "من هو المفكر؟ إذا عدنا إلى آخر طبعة للمعجم الفرنسي الشهير روبير، سنجد التعريف الآتي للمفكر: منتج أفكار جديدة وأصيلة بشكل متواتر تندرج ضمن مشروع طويل النفس في الكتابة، وتنتظم داخل نسق فكري شامل يحمل اسم صاحبه. أما الباحث في مجال الأفكار، دائما، فهو المفكر أو العالم الذي كرس حياته للبحث المعمق، أي المتقيد بضوابط البحث العلمي ومقتضاياته، في مسألة فكرية أوعلمية محددة يتبين إسهامه النوعي فيها وأسلوبه المميز في تناولها.  فهل هذا متوفر في ما يدبجه عصيد هنا وهناك، في الصفحات الأخيرة لبعض الصحف البائرة؟ قطعا لا."

وكلام الأستاذ زارو سليم تماما، فليس الأستاذ عصيد باحثا ولا مفكرا: هو لا يتصف بإبداع المفكر، ولا بصبر الباحث.

والحقيقة أنني لا ألوم الأستاذ عصيد على شيء، فهو رجل عصامي التكوين ومناضل يؤمن بفكرة معينة، ويبذل جهده في الكتابة والمحاضرة، وليس مطلوبا من كل كاتب أن يكون مبدعا.. لكنني ألوم الحركة الأمازيغية التي تعتبر أحمد عصيد مفكرها الأكبر، وأقول عليها أن تعيد النظر في حساباتها،  وأن تنتبه إلى أنه ليس لها أيّ "مفكر"  جدير بهذه الكلمة.. هذا هو الواقع الذي قد يكون مرّا.. لكنه الواقع.

وهنا سؤال قد يوجه إليّ: ما دمتَ اعتبرت الأستاذ عصيدا بهذه المثابة فلِم خصصت له مقالا في "آفاق جديدة في البحوث الإسلامية"، ولماذا تدعو إلى جمع تراثه ودراسته وتخصيص حيّز خاص به في إطار الفكر الإسلامي المعاصر، خاصة المغربي؟

هذا سؤال وجيه، والجواب: لأن للأستاذ عصيد ميْزة هنا لا تتوفر لأكثر المثقفين الأمازيغيين الذين قد يكون فيهم من هو أكثر عمقا وأصالة منه.. إنه يمثل نوعا من خلاصة الخطاب الأمازيغي المعاصر، هو نموذج للمثقف الأمازيغي ولِما يؤمن به ويدعو إليه.. نموذج مُمثل للخطاب الأمازيغي إلى حدّ بعيد رغم أن كثيرا من الأمازيغيين لا يعترفون له بهذه التمثيلية، ومنهم صديقي زارو نفسه.. لكن الحقيقة أنه يمتلكها، يمتلك التمثيلية الفكرية تحديدا، ولا أتحدث عن تمثيليات إدارية أو سياسية أو جمعوية..  فدراسة الأستاذ عصيد مدخل لدراسة الخطاب الأمازيغي نفسه.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق