السبت، 21 مايو 2016

أئمة القمامة بالفايسبوك والتويتر (2): نماذج وأمثلة

 
 
أئمة القمامة بالفايسبوك والتويتر (2):
نماذج وأمثلة

إلياس بلكا
تعرّفنا في الحلقة الماضية على ظاهرة أئمة القمامة، وأظنها المقصودة للأستاذ  مصطفى شنديد، وهو ممّن احتكّ بهذه الظاهرة، خاصة بالفايسبوك، قال: من أغبى القراءات، قراءة التراث بطريقة البحث عن القمامات والوساخات التي توسخ الحاضر.
واليوم نتعرّف على بعض الأمثلة، مجرد أمثلة معدودة لبحر متلاطم موجُه، إذ هؤلاء الأئمة نشيطون جدا بالنت، يكتبون أكثر ممّا يقرؤون، وليس شرطا عندهم أن يفهموا ما ينشرون ولا أن يتأكدوا منه: 
العقــــــــــــــيدة:
أحد هؤلاء أراد أن يتدخل في باب الإلهيات من علم الكلام، وأشار لموضوع الصفات واختلاف المسلمين في بعض مسائل الموضوع، فاقترح حلاّ عجيبا، بكل ثقة نفس وقوة: دَعوا الناس ترسم لله صورة الكمال في أنفسهم على حسب صورة الكمال التي لديهم.. فاقترح أن يؤمن كل واحد بالله كما يظن هو، وبحسب تطور العلوم التجريبية (كذا قال) في كل زمان.
هكذا جعل من الإيمان الواحد تفكيرا لا أدريا ينتهي بصاحبه إلى عدم الإيمان بشيء، أو يكون عندنا أنواع من الإيمان بعدد المؤمنين اليوم. لذلك فتح أئمة القمامة الباب ليُركّب كلّ من شاء دينا خاصا به، كهذا الشاب الآخر الذي جمع آيات قرآنية، ولم يذكر حديثا واحدا، وفسّرها كما شاء، ثم قال: هذه هي خلاصة الإسلام الذي استخلصته واستطعت فهمه من كتاب الله عز وجل .
الحديـــــــــــــث:
أحدهم نصّب نفسه مجتهدا عالميا للمُهمة المقدسة التي سمّاها " تبرئة الرسول من أساطير المحدثين." إنها تخريفات تنقض النبوة، وتمنع من تشغيل العقل، وتخالف العلم، والأدهى والأمرّ أنها أساطير بالمئات، بعضها قواعد كأسطورة أن "صحيحيْ البخاري ومسلم هما أصحّ الكتب بعد كتاب الله". (ولستُ أدري ما الكتاب الأصحّ بعد القرآن، إن لم يكن جامع البخاري فما هو؟ "العقد الفريد" لابن عبد ربّه؟). وبعض أساطير أهل الحديث وتخاريفهم (كذا قال) هي الأحاديث المخالفة للقرآن وللعقل، أي عند صاحبنا.
وهذا إمام آخر جهِد جهده أن يُثبت ضعف حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.. فعلقتُ عليه: "يا شيخ ما تشوف دراسة تُضعّف بها حديث: بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.. فهذا الحديث سبّب للأمة كوارث وأثقل حركتها ومنعها من الشغل النافع في المصانع والمزارع في سبيل التقدم والتطور.. وإنما الدين في القلب."
لذلك وضع أحد العباقرة قاعدة جديدة، وهي أنه يمكن ردّ أيّ حديث، لأننا عندما نقرأ سيرة النبي محمد نجد أن الصحابي يعترض على قول النبي، ليس من باب التكذيب ولكن من باب التصويب والاستبصار..
واحد محامي قرأ حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بما معناه: إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإنّ ذاك يردّ ما في نفسه، وفي رواية: فإن معها  مثل ما لأهله. وهكذا عوض أن يتريّث هذا العبقريّ ويسأل الرجال، وعوض أن يبحث في كتب علم النفس والتربية الجنسية ويسائل الدراسات النفسية التي ذهبت بعيدا في هذا المجال وغيره، وهي دراسات علم نفس الجنس.. فربما كان جاهلا بخلفيات الموضوع.. فإنه أبطل الخبر وحوّل المقال إلى استهزاء وسخرية من السنة الشريفة وأهلها..
ليست مشكلة هؤلاء مع جزء من الأحاديث، بل مع معظمها، ولا تتصور كمْ من الأحاديث النبوية يردّون.. حتى خبر أن بعض الأمة تشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شربة لا ظمأ بعدها أبدا.. هذا مردود.
تحوّل بعضهم إلى عقول مريضة ترى في كل حديث مشكلة ومنقصة.
الفقـــــــــــــه:
طريقة مجتهدي النفايات –وهم الذين لم يدرسوا الفقه دراسة حقيقية، ولو لمدة سنة واحدة- هي التركيز على بعض الأحكام والفتاوى، خاصة الشاذة منها.. ثم الانطلاق منها لهدم الفقه كله.
والطريقة الثانية هي تسفيه الفقه والفقهاء، ومن أنواع السبّ للفقه: فقه الصحراء.. فقه الأعراب.. فقه إرضاع الكبير وشرب بول البعير..
ولا يفوتهم طبعا أن يؤكدوا على أن الدولة الأموية والعباسية تدخلتا في صياغة الفقه لصالحهما. لكن: لماذا، وأين، ومتى، وكيف، وما هي الدراسات والأدلة؟ لا جواب.
بعد هذا تأت جماعة من أئمة القمامة، فيعرضوا علينا الفقه الصحيح. قال أحدهم: لا حاجه لنا هنا بأقوال الفقهاء حيث اخترعوا دينا جديدا وتقوّلوا على الله ما لم يَقله. فاجتهد فاكتشف مثلا: الحيض ليس من مبطلات الصيام. والإفطار في الصيام لا يكون مع آذان المغرب، بل يجب أن يكون مع دخول الليل.
التاريــــــــــــــــــخ:
التاريخ مجال مفضل عند أصحابنا هؤلاء.
هذا مثلا يُفسر لنا حركة الفتوحات ويعللها: "حكام مسلمون ظلمة اشتهوا أن يكونوا أباطرة إمبراطوريات. فرَشَوْا من وضعوا لهم نصوص الإكراه المنسوبة كذبا إلى النبي، وتأويلات الإكراه المنسوبة كذبا إلى القرآن. فكانت غزوات جيوش هؤلاء الحكام المسلمين الظلمة على الدول المجاورة. فكانت الحروب الصليبية التي انتهت باحتلال بلاد المسلمين وتنحية الإسلام حتى عن حكم المسلمين ردّا على ذلك."
قلتُ: يا سلام على عبقرية التحليل. لو عرضتَه على أيّ مؤرخ محترم سيقول لك: هذا يسمى أيّ كلام.
والثاني يتأسف على الحضارة الإسلامية بالأندلس ويتمنى لو ما كانت، يقول: تخيّلوا لو الأندلس بقيت في يد المسلمين؛ كيف سيكون حالها؟! كنتم ستسمعون يومياً تفجيرا في مسجد قرطبة، في مسجد غرناطة..
ماذا أقول، والمؤرخون الإسبان أنفسهم يعترفون بأن الوجود الإسلامي بإسبانيا أنقذها ممّا يسمى في أوربا بـ: العصور المظلمة؟ هل قرأ هذا الإمام ما يقوله المستشرقون والمؤرخون الإسبان، هل سألهم؟
لكن صاحبنا مصرّ على أن حركة الفتوحات مصيبة تاريخية، قال بعد كلام:"... هذا الفقه القديم الذي أصرت دول المظالم على استبعاده لتُلهي الشعوب بالفتوح عن الإصلاح الداخلي وتطبيق الشورى ..  فأضاعوا الإسلام وأهله بفتوح كانت تخدم المستبدين فقط.. مع توقّـفنا في الفتوحات الأولى، فقد كان العرب في العراق والشام مضطهدين من الفرس والروم، إلا أن ما سواها لا شرعية له، وكان ضرره على الفكر والإصلاح الداخلي أكثر من فوائده المادية."
أقول له: نحن أهل المغرب نقول لمن فتحوا شمال إفريقيا: جزاكم الله خيرا عنا، فلولاكم لكنّا اليوم إما وثنيين أو مسيحيين، والاحتمال الثاني أغلب.. كان أجدادنا الأمازيغ يقدسون الشمس.. فجزى الله كلّ خير من أوْصل الإسلام إلى أجدادنا، ومن أخطأ من الفاتحين  في حقّ أسلافنا غفرنا له ذلك لأن الإسلام وصلنا في النهاية فخرجنا من الظلمات إلى النور.
وقدّم واحد آخر بثقة تامة قراءة غريبة لتاريخنا لم يُسمع بها قبله، فقال: عندما كان ملوك وسلاطين المسلمين، عبر التاريخ، يسرقون أرزاق الناس، فيبنون القصور، ويتمتعون بأجود الجواري، ويأكلون أشهى الأطعمة، كانوا يرسلون الفقهاء وخطباء المساجد، ليخبروا الشعب المقهور، أن الدنيا فانية، وأن أشراط الساعة قد ظهرت، ولم يبق وقت طويل للقيامة، وأن الحياة الحقيقية في الجنة.. الخ. ومن هنا نفهم حرصهم على أن تكون المساجد، والشأن الديني، خاضعا لسيطرتهم.
ولجماعتنا هؤلاء كلمة أثيرة على قلوبهم، ويذكرونها كثيرا، وهي: تاريخنا مزيف. الحاضر يُزيّف فكيف بالماضي. وعلقتُ عليهم مرة فكتبت: برافو على المؤرخين الكبار! الذين لو تولّوا المسؤولية لحذفوا جميع كليات التاريخ من العالم العربي، لأن الأشرار زيّفوا تاريخنا  كله.
أخلاقــــــــــــــهم:
ومن السمات البارزة لأئمة القمامة: سوء الأخلاق، حتى إن الباحث لو جمع شتائمهم وسخرياتهم لحصل على "قاموس الشتائم للمجتهدين الجدد". من ذلك:
كتب أحدهم: عندما أكون مع إنسان يُظهر التديّن أشعر أنه جسم إنسان مع رأس بهيمة. وأغلب الظن أنه رأس بعير أو معزة أو أي حيوان صحراوي. لذا تحسّسوا رؤوسكم أيها المتأسلمون.
وكتب آخر: "صحيح طفيح المجاري" المُتعارف عليه إعلاميا بـ: صحيح البخاري.
أما جمهور الأمة  في الماضي والحاضر، وهم أهل السنة والجماعة، فهم: الغوغاء،
الجاهلون،  المغفلون، المنافقون، أتباع كلّ ناعق..
في الحلقات القادمة سنتعرّف بعمق على أسباب هذه الظاهرة وتفسيرها، وهل تشكّل تحدّيا حقيقيا أم لا.
يتبع..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق