الخميس، 2 يناير 2014

هل كان الشاطبي مقلدا؟


السؤال 

قال الإمام الشاطبي في (فتاويه) (ص:119): (ومراعاة الدليل أو عدم مراعاته ليس إلينا معشر المقلدين، فحسبنا فهم أقوال العلماء والفتوى بالمشهور منها وليتنا ننجو مع ذلك رأسا برأس لا لنا ولا علينا).

 وقال (ص:167): (فَلَا حَظَّ في ذلك للمرتد راجعَ الإسلامَ قبل القسمة أم لا، وإن جاء نقل في المذهب بخلاف هذا فمشكل على قواعد المذهب وعلى قواعد الشريعة. وأيضا فما ذُكر أولاً هو المشهور المعمول به، فلا يُنصرف إلى غيره مع وجود التقليد في المفتي كزماننا، وأنا لا أستحل إن شاء الله في دين الله وأمانته أن أجد قولين في المذهب فأفتي بأحدهما على التخيير مع أني مقلد، بل أتحرى ما هو المشهور والمعمول به، فهو الذي أذكره للمستفتي ولا أتعرض إلى القول الآخر، فإن أشكل عليَّ المشهور ولم أرَ لأحد من الشيوخ في أحد القولين ترجيحا توقفت).

هل كان الإمام الشاطبي مؤصل نظرية المقاصد وصاحب الموافقات يعمل ويفتي باجتهاده أم تقليدا (تمذهباً)؟؟
 
الجواب:
 
الذي يبدو لي أن الشاطبي لا يجتهد اجتهادا مطلقا، فهو مالكي المذهب، لكن أكيد له خيارات خارج المذهب المالكي، كما له ترجيحات بين بعض الأقوال المتعارضة داخل المذهب. لكن الطابع العام لفقه الشاطبي مالكي.
أما تصريحه بأنه مقلد فهو من تواضعه رحمه الله، وإلا فهو عالم كبير، ويمكن اعتباره مجتهدا داخل المذهب، مع قدرة على الاجتهاد في آحاد المسائل مطلقا على القول بتجزؤ الاجتهاد  الذي هو مذهب جمهور الأصوليين.
حتى لو صرح الشاطبي بأنه مقلد، هذا من تواضع علمائنا رحمه الله. وكيف يكون مقلدا وهو إمام المقاصد؟
إنما لا يمكن اعتبار الشاطبي مجتهدا اجتهادا مطلقا لعدم توفر بعض شروط الاجتهاد المطلق فيه، كالخبرة بالحديث النبوي، تماما كعبد الرحمن بن القاسم شيخ المذهب بعد الإمام مالك، فقد عدوه مجتهدا منتسبا لا مطلقا لقصور آلة الاجتهاد في السنة النبوية عنده، بخلاف الإمام فهو مجتهد في الحديث أيضا كما يدل على ذلك تصنيفه للموطأ.
من ناحية أخرى لا يعتبر الشاطبي من المتوسعين في فقه الفروع، على شاكلة ابن رشد الجد والمازري واللخمي وابن يونس.. ممن يعدّ من مجتهدي المذهب في التخريج والترجيح.. لذلك لم يصنف كتابا مستقلا في الفروع، وإن استخرج له أبو الأجفان رحمه الله فتاوى نشرها في جزءين..
أعني أن الشاطبي في الفروع الفقهية دون ابن رشد الجد مثلا..
ولو عقدنا مقارنة مع المذهب الشافعي، فإن معادل ابن رشد هو النووي، والنووي من فقهاء الشافعية الكبار في التخريج والترجيح، ومن أصحاب الوجوه..
ومعادل الشاطبي في المذهب الشافعي أظنه والله أعلم: الجويني، إمام الحرمين. صحيح أن الجويني أجلّ، وأنه إمام في علم الكلام أيضا، والشاطبي لم يكن متكلما.. لكن كلامنا في الفقه وعلومه..
وصحيح أن الجويني صنف في المذهب: نهاية المطلب. وهو كتاب مهم في تاريخ المذهب الشافعي.. لكن الشاطبي أيضا كان بلا شك قادرا على أن يصنف كتابا معتبرا في المذهب المالكي.
كلا من الجويني والشاطبي من الأصوليين الكبار، ومن علماء المقاصد أيضا.. وكلاهما لم يجتهد اجتهادا مطلقا، فهما مجتهدان داخل المذهب، ويسمى هذا بالمجتهد المنتسب.. واجتهاد الشاطبي في المذهب بالقوة لا بالفعل، أي أنه يملك أدوات الاجتهاد المذهبي لكنه لم يمارسه على نطاق واسع، بل في مسائل قد تكون كثيرة لكنها على كل حال معدودة.
وبالنسبة للمالكية المتأخرين، أي من جاؤوا بعد الشاطبي، فإن قول الشاطبي معتبر عند أكثرهم.. ليس الشاطبي بأقل من الفقهاء الأربعة الذين اعتمدهم الشيخ خليل في مقدمة مختصره.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق