السبت، 29 مارس 2014

العقائد الإسلامية ومشكلة الفيزياء الحديثة وظهور الكم (الكوانتيك): سلسلة آفاق جديدة في البحوث الإسلامية.



سلسلة آفاق جديدة في البحوث الإسلامية.
            مشكلة الفيزياء الحديثة وظهور الكم (الكوانتيك):

إلياس بلكا

      رأينا في بعض المقالات السابقة في هذه السلسلة كيف أننا بحاجة شديدة للاجتهاد في علم العقائد الإسلامية، وأن من مظاهر هذا الاجتهاد إعادة عرض هذه العقائد عرضا جديدا يستفيد من التطورات العلمية المختلفة التي شهدها عصرنا، سواء في العلوم الطبيعية والرياضية أو في العلوم الإنسانية.

والآن هذا مثال من الفيزياء، فأي جديد يمكن للفيزياء الكوانتية بالخصوص أن تحمله بالنسبة لهذه القضية؟

لكن قبل أي كلام في هذا الموضوع، ارتأيت أن أشرح- بإيجاز شديد- بعض المصطلحات المهمة في فيزياء الذرة، وأن أقدم باختصار أيضا بعض مشكلات الفيزياء الحديثة، وهو أمر لازم لفهم عام وإجمالي لعالم الكوانتيك الغامض.

عالم الذرة ومصطلحاته:

تتكون الذرة من النواة ومن مجموعة من الإلكترونات.

النواة تتكون من جزيئات تسمى البروتونات والنوترونات.

تكون النواة مشحونة بكهرباء موجبة تدور حولها إلكترونات مشحونة بكهرباء سالبة، ويعتقد أن للنواة بنية "حبيبية". ويمكن تشبيه الذرة بالمجموعة الشمسية، حيث تحتل الشمس المركز بينما تدور الكواكب حولها.

لكل من البروتون والنوترون كتلة معينة (حوالي 1,67 x 10-27 ). وأبسط العناصر الكيميائية هو الهليون، الذي له إلكترون واحد، يدور حول النواة، كما يفعل القمر حول الأرض.

أما الفوتون فجزيئة غير مادية، ذات كتلة وشحنة منعدمتين، أي صفر، وينتقل في الفراغ بسرعة الضوء (ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية). والفوتون ليس مادة، وهو الذي يشكل الضوء.

نسمي الذرة ومكوناتها بالجزيئات أو الدقائق.

يعرف عالم الذرة بالعالم المجهري، وقد يقال له أيضا العالم الصغير، أو اللامتناهي في الصغر، وهو غير قابل للرؤية.

ويسمى عالم الأشياء المرئية - ولو بالمجهر- العالم العياني، أو العالم الكبير.

مشكلة الفيزياء الكلاسيكية:

اعتبر الفيزيائي الفرنسي دوبروكلي أن المشكلة الأساسية للفيزياء المعاصرة هو أنه في عالم الذرة يكون للجزئيات" سلوك" مزدوج، فهي أحيانا تتمثل باعتبارها دقائق، وأحيانا باعتبارها موجات، فطبيعتها مزدوجة، وهذا غير مفهوم.

جاءت الفيزياء الكوانتية لتحل هذا الإشكال الذي تبدى - أول ما تبدى- في الكهرباء فقد لاحظ العلماء - في آخر القرن التاسع عشر- أن الكهرباء تبدو أحيانا كموجات منتشرة ومتصلة الحركة. وفي تجارب أخرى تبدو وكأنها مجموعة من الدقائق التي "يحمل" كل واحد منها شحنة جد صغيرة من الكهرباء أو الضوء.

بدا هذا لعلماء الفيزياء تناقضا وجوديا كبيرا. ولفهم ذلك علينا أن نعرف أولا الإطار العقلاني العام الذي اعتاد الفيزيائيون على العمل داخله، وهو الإطار الذي وضعته فيزياء نيوتن:
 

مبادئ العقلانية في فيزياء نيوتن:

استطاعت الفيزياء الميكانيكية التي وضعها نيوتن ليس فقط أن تكتشف بعض القوانين الكبرى التي  تخضع لها الأجرام السماوية، وأن تفسر- إلى حد ما- هذه القوانين بل - إلى ذلك- استطاعت هذه الفيزياء أن تشكل في الناس - وفي العلماء خصوصا- عقلية جديدة تمثلت أقوى صورها في المذهب الآلي الميكانيكي.

هذه العقلية كانت تفهم ظواهر الكون وفق المبادئ الآتية:
 
          1-     قوانين الفيزياء هي بالدرجة الأولى قوانين ميكانيكية.

2-     الزمان المطلق والمكان المطلق هما الإطاران اللذان تحدث الظواهر وفقهما.

3-     خصائص الأشياء مستقلة تماما عن الملاحِظ، وعن أدواته في الملاحظة والتجربة.

4-     يمكن أن نتنبأ بصيرورة نسق فيزيائي ما، وفي كل لحظة، بالاعتماد فقط على معرفتنا بحالة هذا النسق في البداية.

ولهذا ترى الفيزياء الكلاسيكية أنه يوجد في الوجود شيئان، ولكل منهما طبيعة مادية مستقلة، أعني أن المادة إما أن تكون عبارة عن جسيمات صغيرة، وهي الدقائق، وإما أن تكون عبارة عن موجة.

الدقيقة شيء له وجود مستقل، تـُمثل بنقطة، وتحتل مساحة معينة، ولها في كل لحظة زمنية وضع وسرعة معينان. أي أن الدقيقة تتحرك وفق معادلة.

والموجة Onde شيء آخر، شيء ينتشر ويحتل المكان كله - لامساحة محددة-، وله طابع الاتصال والاستمرار لا الانقطاع، وقد تتداخل الموجات فيما بينها، ولذلك فالموجة تفسر ظواهر غير محددة في مكان معين..

ولهذا تفترض الفيزياء الكلاسيكية أن كل المتغيرات أو الكميات التي تستخدمها لها طابع الاستمرار والاتصال، حتى ما يتعلق منها بالدقائق؛ فالجسيم حين يتحرك مثلا، لا تتصور هذه الفيزياء أنه سيقفز بحركة متقطعة، على شاكلة طفرة النظام المعتزلي مثلا، بل انتقاله سيكون من مكان إلى مكان، فهو متصل في الفضاء؛ وهو انتقال يتم لحظة لحظة، فهو متصل في الزمان،  وذلك بسرعة تتغير باستمرار، فتزداد أو تنقص- شيئا فشيئا كل شيء يحدث متصلا بنوع امتلاء.

ولذلك كان التعبير الأمثل لهذا الاتصال هو المعادلات التفاضلية، فهذه تصف بدقة تطور الأحداث كالسرعة- في الزمان. ولولا هذه المعادلات ما وجدت فيزياء نيوتن أصلا.

ظهور الكم أو الكوانتيك:

والحاصل أنه لما ظهرت الفيزياء الجديدة - الكوانتيك- "وحَّدت" بين هذين النوعين من المادة. لقد اكتشفت أن جزيئات العالم المجهري - مثل الفوتونات والإلكترونات-  ليست في الواقع بأجسام جد لامتناهية في الصغر، ولا هي أيضا بموجات وتبين أن الجسيم والموجة مجرد اصطلاحين تقريبيين لهما معنى فقط في عالم الأشياء الكبيرة. ووقع الاتفاق على تسمية مكونات عالم الذرة بـ: الكوانتون Quanton، أو الجزيئات الكوانتية.. فأصبحت الفيزياء التي تدرس هذا العالم تسمى بالكوانتيك.

وإن ساغ لنا - في إطار العقلانية المؤسسة على فيزياء نيوتن- أن نسأل ونبحث لكي نعرف ما هي الموجة، وما هي الدقيقة أو الجزيء ففي الكوانتيك لا معنى لهذا السؤال. كل شيء يحدث كأن هذه الموجة ترتبط بجزيء، وتمثل درجة للاحتمال احتمال وجود هذا الجزيء في نقطة معينة من  الفضاء.

هذا - باختصار بالغ- أصل ظهور الكوانتيك، التي بلغت نضجها في العشرينيات - من القرن الماضي-، بفضل جهود علماء كثر أغلبهم ألمان،  لعل أهمهم : بوهر، وهايزنبرج ، وأينـشتـين،

وشرودنكر، ودوبروكلي...

          وهذه الفيزياء حاضرة اليوم بقوة  في كثير من التخصصات الفيزيائية وغير الفيزيائية. وتعني كلمة " الفيزياء الكوانتية" مختلفة مجالات الفيزياء النظرية والتطبيقية التي تعتمد أساسا على قوانين ومفاهيم الميكانيكا الكوانتية.

يتبع..

هناك تعليقان (2):

  1. الشكر الجزيل لطرح موضوع الفيزياء الكوانتية أنا أحد المهتمين بهذا الموضوع . الرجاء من سيادتكم آكمال الموصوع و تزويدنا ببعض البحوث المهتمة به.فاطمة

    ردحذف
  2. أهلا في كتابي الآتي بعض المعلومات
    http://books.google.ae/books?id=MW4CdmXMGH4C&printsec=frontcover&hl=ar#v=onepage&q&f=false

    ردحذف