الأحد، 4 مايو 2014

إشكالية الهوية والتعدد اللغوي بالمغرب الكبير: نموذج من المغرب الأقصى.


إشكالية الهوية والتعدد اللغوي بالمغرب

إلياس بلكا

       لذلك اشتغلت مع الدكتور محمد حراز –وهو أستاذ جامعي متخصص في مهن  التربية والتكوين- على تأليف مشترك في الموضوع، فوضعنا – بحمد الله- كتابا بعنوان: "إشكالية الهوية والتعدد اللغوي بالمغرب العربي. المغرب نموذجا". وقد صدر هذا الكتاب في هذا الأسبوع عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، ومقره أبو ظبي.

وموضوع هذا الكتاب هو العلاقة بين الهوية واللغة في المغرب الكبير، وآثار ذلك  على التربية والتعليم، حيث إن  المدرسة هي المحضن الرئيس لأي محاولة نهضوية حقيقية. ولما كان التعليم  يتأثر بنظرة المجتمع إلى نفسه، فقد أصبحت قضية الهوية لا تنفك عن التعليم ومشكلاته، خاصة أن اللغة مكوّن رئيس في تشكيل هوية الشعوب.

تتكوّن التركيبة السكانية للمغرب الكبير أساسا من العرب والأمازيغ الذين تمازجوا وتعايشوا، مع  احتفاظ جزء مهم من المنطقة بلهجاتها وعاداتها الأمازيغية الخاصة. كما عرف المغرب الكبير الاستعمار الفرنسي الذي مارس سياسات اقتصادية وسياسية وإدارية ولغوية متقاربة.

 هذا الوضع الجغرافي والتاريخي الخاص فرض على المنطقة ما يعرف بـ: مشكلة الهوية. ولما كانت علاقة الثقافات المحلية للمغاربيين بالثقافة الفرنسية  في قلب هذه المشكلة..  فقد صار لقضية الهوية خصوصية أخرى، وهي أنها تـُطرح في إطار لغوي، بحيث لا يمكن الولوج إلى فهم مسألة هوية المنطقة ودراسة أصولها وآثارها.. دون التوقف عند قضية مكانة اللغة الفرنسية بها.

وتتفاوت دول المغرب الكبير في درجة الصلة بين الهوية واللغة، لكنه تفاوت في الدرجة لا في طبيعة المشكلة.

وقد اخترنا حصر الدراسة في  المغرب لأنه المختبر اللغوي المثالي للمغرب الكبير كله، وواحد من أهم المختبرات اللغوية على مستوى الوطن العربي، فهو أكبر بلد أمازيغي في العالم وتنشط به الحركة الأمازيغية الحديثة التي أعادت طرح سؤال الهوية، وفيه أيضا أقلية تعرف اللغة الإسبانية.. لذلك فوضعه اللغوي هو الأكثر تعقيدا والأصعب في الدراسة من جميع الدول المغاربية الأخرى، لدرجة يمكن وصفه بـ"الفوضى اللغوية".

لذلك إذا نجح المغرب في عقد صلح الهوية واللغة –خاصة على مستوى المدرسة-،  فمن باب أولى أن ينجح غيره من البلاد المغاربية والعربية.

لذلك خصصنا الفصل الأول لقضية الهوية، مع تركيز خاص على هوية المغرب الأقصى ومكوناتها وخصوصياتها.. كما خصصنا الفصل الرابع لسياسة فرض اللغة الفرنسية، والتي تسمى بالفرنكفونية، فعرفنا بهذه السياسة وبأساليبها وآثارها.. وبالوظائف التي تقوم بها هذه اللغة في المجتمع المغربي.

 وبالرغم من محاربة الاستعمار الفرنسي للعربية، ومن تعثر سياسة التعريب في التعليم المغربي بعد الاستقلال، ومن سياسة الفرنكفونية اليوم..  فإنها ما زالت  قادرة على أداء وظائفها الحضارية الثلاث: الوظيفة العقدية، والوحدوية، ثم الرسمية في الإدارة والإعلام.. وفي كل مؤسسات الدولة.. وهذا لا ينفي  أن الفصحى بالمغرب تمر بأزمة حقيقية جراء احتكار اللغة الفرنسية خاصة لمختلف المجالات الحيوية في التعليم والإدارة والمؤسسات المالية والإعلام، وهذا ما تسبب في ضعف أدائها الوظيفي في الحياة العامة. لذلك أوردنا بعض عناصر خطة وطنية فاعلة للسياسة اللغوية  للنهوض العلمي والحضاري بالعربية.. هذا وغيره كان موضوع الفصل الثاني.

 وقد زاد اقتراح العامية الدارجة باعتبارها بديلا للعربية الفصحى في إضفاء تعقيد آخر على المشكلة. لذلك عقدنا الفصل الثالث لهذا الموضوع. إذ نشأت دعوة لاستعمال العامية في جميع المجالات، ويحاول أصحابها التنظير لها والتأصيل اللساني لاستخدامها، ويديرون صراعا لغويا عبر وضع اللغة العربية وحدها في جانب، ووضع الفرنسية والعامية والأمازيغية مجتمعة في جانب مقابل.

أما الفصل الخامس فيتعلق بالقضية الأمازيغية، فقد طرأ طارئ حديث جدا على الساحة المغاربية، وهو تبلور حركة سياسية وثقافية جعلت من الأمازيغية محور نشاطها وأساس مطالبها. هذه الحركة تحاول بناء نوع من  "القومية الأمازيغية".. نوع غير متضح الملامح إلى حدّ الآن، لكن المؤكد أن اللغة الأمازيغية تشكل أساسه الأكبر، بل روحه حقا.

 ولذلك نفهم لماذا كان شعار "اللغة الأمازيغية" هو السائد لدى هذا التيار الفكري والسياسي منذ نشأته إلى اليوم، حتى صار المدخل الرئيس "للهوية الأمازيغية" هو موضوع اللغة الأمازيغية.. وبهذا انصبت الجهود على معيرة اللهجات الأمازيغية ومحاولة بناء لغة موحدة، ثم السعي إلى تدريسها بالمدارس العمومية ونشرها بالتدريج باعتبارها  لغة وطنية أو رسمية.. لذلك فالمسألة الأمازيغية تحتاج من الجميع إلى وقفة هادئة للتأمل والمراجعة.

أما الفصل الأخير فكان عن إشكالية لغة التدريس في المدرسة المغربية، اقترحنا فيه نموذجا محددا يتمثل في التعريب المدعوم بالتعدد اللغوي، مما يعين على وضع أسس متينة لاستقرار لساني متكامل، تحتل فيه العربية الفصحى موقعها المناسب، وتكون فيه اللغات الأمازيغية، أو اللغة الواحدة الممعيرة، لغات وطنية تُدرس وتُطور.. وتكون فيه أيضا اللغات الأجنبية لغات للدراسة لا للتدريس، مع ضمان هامش مهم من التعبير والتواصل الشفهي  باللهجات العامية، في إطار متوازن ضمن سياسة لغوية وطنية فاعلة.

إن غاية هذه الدراسة هي المساهمة في حلّ مشكلة الهوية في صلتها بظاهرة الصراع اللغوي في المغرب، ووضع معالم سياسة لغوية رشيدة  لا تمزّق النسيج الاجتماعي المغربي الذي تكوّن عبر قرون، كما لا تكون سببا في الفشل المدرسي واللغوي بكثرة اللغات وتصادمها..

هناك تعليق واحد: