السبت، 20 أكتوبر 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (13): كيركغــــارد، لحنان بوكطيبة.



ماستر: الدراسات السامية ومقارنة الأديان
مادة: الفكر الديني المسيحي

كيركغارد، سورين آبي
Kierkegaard, Soren Arbye
إعداد: حنان بوكطيبة
                                                                  حياته:
سورين كيركغارد فيلسوف ولاهوتي دانماركي،[1] ولد في الخامس من مايو عام 1813 من أب في السادسة والخمسين وأم في الخامسة والأربعين بعدما أفلتت ثروة أبيه من الخراب المالي الشامل الذي حدث في كوبنهاجن.[2]وينحدر كل من أبيه وأمه من أسرة جوتية، وهي قبيلة جرمانية غزت القارة الأوروبية في القرن الخامس. ولقد كان سورين كيركجورد أصغر الأبناء السبعة للأسرة.[3]
    تربى على المذهب البروتستاني وأخذ عن والده نظرة دينية مأساوية تركز على المسيح المصلوب دون وجوهه الأخرى فتؤدي إلى الشعور بالذنب. انتسب إلى الجامعة، وعاش حياة مرح وتنعم باللذات وتردد على المقاهي وعلى حلقات المناقشة.
توفيت والدته وإحدى شقيقاته سنة 1834، وتوفي والده سنة 1838، تاركا ثروة لا بأس بها، فأنهى كيركغارد دروسه في اللاهوت، وخطب في العاشر من أيلول من السنة عينها ريجينيا أولسن التي أحبها حبا جمّا ثم قرر أن يضحي بها في سبيل حبه لها وفي سبيل الاحتفاظ بها كحبيبة لا كزوجة ففسخ خطوبته معها سنة 1841، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراه على أطروحة بعنوان '' تصور التهكم المسند استمرارا إلى سقراط ''.[4]
هذا ويعتبر سورين كركغارد المؤسس الفعلي للوجودية فهي في نظره صورة لحاجة وتعبير عن ميل يبلغ من العمق درجة يمكن معها أن يستعان به لتعريف شخصيته.
من مؤلفاته:

ـ '' مفهوم التهكم '': مع إشارة مستمرة إلى سقراط '' بقلم س.كيركجور 16 سبتمبر 1841. بحث فلسفي قدمه كيركجور لنيل درجة الماجستير.
ـ '' أما..أو: شذرة حياة '' بقلم فيكتور الناسك نشر في 20 فبراير 1843.
ـ '' التكرار: مقال في علم النفس التجريبي '' بقلم قسطنطين قسطنطينيوس ـ وقد نشره في 16 أكتوبر عام 1843.( في نفس اليوم الذي نشر فيه الخوف والقشعريرة).
ـ '' الخوف والقشعريرة: أنشودة جدلية '' بقلم يوحنا الصامت Johannes de Silentio صدر في 16 أكتوبر عام 1843.
ـ '' مفهوم القلق: دراسة سيكولوجية مبسطة لمشكلة الخطيئة الأصلية '' بقلم فيجليوس هوفنينس Vigilius Haufniensis صدر في 17 يونيو 1844.
ـ '' مراحل على طريق الحياة '' وقد نشرت في 30 أبريل عام 1845.
ـ '' حاشية ختامية غير علمية على الشذرات الفلسفية: مساهمة وجودية '' في 27 فبراير عام 1846.
ـ '' الكتاب الكبير حول أدلر '' the Big Book About Adler.
ـ '' أعمال المحبة '' بقلم س. كيركجور 29 سبتمبر 1847.
ـ '' المرض حتى الموت: عرض سيكولوجي مسيحي للتهذيب والصحوة '' س.كيركجور 30 يوليو 1849.
ـ '' معايشة المسيحية '' سبتمبر 1850.
ـ '' أحكموا بأنفسكم ! '' أراد كيركجور بهذا الكتاب أن يكشف زيف المسيحية الرسمية في الدانمارك، وقد كتب هذه الدراسة عامي 1851 و 1852 ولكنها لم تنشر إلا بعد وفاته بإحدى وعشرين سنة أي عام 1876 ! .
ـ '' إدانة المسيح للمسيحية الرسمية '' يونيو 1855.[5]
فلسفته الدينية:
    لقد سلك كير كجور في شبابه حياة المتعة والاستمتاع بملذات الحياة، ولكنه عندما سئم هذه الحياة حاول أن يسير في طريق الواجب، وأن يحيا حياة محترمة بالزواج، ولكنه بعد أن فسخ خطبته كرّس جهوده كلها للحياة الدينية، وأوشك على التصوف.[6]
لقد كانت كتابات كير كجور موجهة منذ البداية إلى مشكلة '' كيف يصير الفرد مسيحيا؟''، أو بمعنى آخر إلى وصف مقومات الإيمان ومعناه الحق. والإيمان عند كير كجور لا يشترك في شيء مع النظر العقلي المجرد الموضوعي المحايد، وإنما هو عكس ذلك تماما.. لأنه أولا ذو '' طابع وجودي ''، فهو ليس فكرا أو معرفة، ولكنه علاقة عينية حميمية، وتواصل بين موجودين: بين المؤمن والله، بين الأنا الأخرى، أو '' الأنت '' أو '' الذات المطلقة ''.
    والإيمان يتسم بالمفارقة، بل باللامعقولية، ذلك أن الإيمان لا يمثل لنا أي يقين ''موضوعي '' قابل للبرهان والفهم والمعرفة، بل الأكثر من ذلك إنه ليس ممكنا إلا بتضحية كاملة للعقل، وهنا يلجأ كيركجور إلى عبارة تورتليان الشهيرة: '' أومن لأنه لا معقول ''، أو كما قال كانت: '' يجب أن ألغي المعرفة لأفسح مكانا للإيمان ''.[7]
    ونستطيع أن نقول مع كيركجورد إن الحقيقة واليقين لا يتطابقان، فاليقين لا يمكن أن يستمد إلا من معاناة الحياة والعمل، لأن الذي يصدق بالحقيقة ويقبلها ليس هو العقل الخالص بل الإنسان الموجود نفسه من حيث هو موجود. ولهذا يجب أن نقول إنه ليس هناك وجود حقيقي إلا الوجود '' أمام الله ''.[8]
    فالإيمان تصديق بما هو خارق للعادة، مثلما آمنت مريم بأنها عذراء وأم الإله. فهي لم تر موقفها عارا كما اعتبره الجميع، لأنها آمنت، فامتلأت فخرا بما حدث لها، فذلك إيمان جنوني يقتضي التحول عن العقل إلى ما فوق العقل.
    والباعث العميق لعزوف كيركجورد عن كل برهان عقلي على الإيمان هو أنه اعتبر المسيحية من وجهتها الوجودية. فما المسيحية إلا وجود المسيح والإيمان بمحبته اللامتناهية، فهل تحتاج المحبة إلى برهان عقلي لدعم وجودها ؟ لا، بل تحتاج إلى صمت العقل ووثبة القلب نحو من يحب. وهذا بالذات ما يقتضيه كيركجورد في فلسفته الدينية: أن يشعر الإنسان بالحضور الإلهي أينما كان، في المعبد أو في مكان دنيوي، فالإله حاضر دائما.
وهكذا تبدو المسيحية على خلاف الأديان الأخرى ـ ذات حقيقة وجودية.
    فالوجود زماني، وهو يتعلق بالذات ـ وهذا هو الوجود الذي يعنيه كيركجورد ـ ولذا نجده يقول إن الإله كائن، في حين أن المسيح موجود: فهو الإله الحي الموجود، ولد في زمان معين وتعذب وصلب، وظهر للأجيال واقعا تاريخيا ومفارقة يتعثر أمامها البشر.[9]
من خلال هذا الوصف للإيمان، لماذا كان كيركجور يعادي المسيحية الرسمية ؟
    إن كير كجور وجد في التحول إلى المسيحية مجهودا شخصيا يربط الإنسان والمسيح بعلاقة وجودية، فقد رأى في وجود الكنيسة عائقا دون تحقيق الحياة المسيحية. ولأنه شعر بأن المسيحية تقتضي التضحية الكاملة، فقد وجد في رغد حياة رجال الكنيسة موضوعا للسخرية، وفي الطمأنينة النفسية التي ينعم بها أتباعها خداعا يخفي في طياته ذلك اليأس الذي يقوم عليه الإيمان الحق.
    فإذا كانت المسيحية حياة وجودية كما يرى كيركجورد، تربط موجودا بموجود رغم صيرورة الزمان التاريخي، فلا حاجة إذن إلى وساطة الكنيسة في توطيد هذه العلاقة، ولاسيما إن كانت قد غدت وساطة دنيوية تعود على رجالها بفوائد مادية، في ممارستهم لها.[10] 
    لذلك نجده يقول: '' احذروا القساوسة، أولئك الذين يسيرون في أردية طويلة ويضعون زيا رسميا ويقلبون المسيحية إلى عكس ما أراد المسيح ! ''
'' القساوسة من أكلة لحوم البشر، والحق أنهم من ذلك الصنف الكريه !''
    ويقول أيضا:
''أنا أود أن أتخلص من القسيس حتى تزدهر المسيحية، فما دام هناك قساوسة فسوف تكون المسيحية مستحيلة''.
    إن كل من يتخيل أنه أصبح مسيحيا داخل الحدود التي يرسمها القسيس في عظاته بحيث يسير مع الجماهير ويندمج مع القطيع الذي يحدده القسيس هو رجل يغش نفسه ![11]
    وقد وجه كيركجرد في الوقت المناسب مشكلة أكثر وأكثر ضد المسيحية القائمة وضد الكهنوت كله، الألف كاهن أو نحو ذلك في كل البلد الذين '' يلعبون بالمسيحية '' وجعلوا من الكنيسة '' مصدر كسب للعيش '' لكنهم لم يفهموا أن المسيحية هي أولا وقبل كل شيء هي ( الارتفاع عن هذا ).[12]
    لذلك هاجم المسيحية الرسمية واتهمها بالكذب فقال: '' التهمة التي أوجهها إلى الكنيسة القائمة هي إن كل شيء يبنى على كذب: عبادة الله ليست سوى سخرية من الله، والمشاركة فيها جريمة، وفي الوقت ذاته فإنني أود أن أسوق اتهاما أعظم بأن أبين أن الكنيسة القائمة نفسها تعرف أن كل شيء يقوم على الكذب، وأن هذا هو السبب في عدم القيام بأي فعل.[13]
    ولم يتقاعس كيركغارد عن مهاجمة الكنيسة الرسمية وعن التأكيد على أن لا علاقة بتاتا بين المسيحية الحقة وبين شركة تأمينات للحياة الأخرى. فالمسيح لم يأت لإعطاء مهدئ ملطف، بل أتى ليخلق القلق لأنه وهب نجدة مطلقة لنفوس لا تجيد العيش في غير النسبي.[14]
    هكذا وقد استمر صراعه مع الكنيسة حتى توفي يوم 11 تشرين الثاني ( نوفمبر ) سنة 1855.
المصادر والمراجع:
ـ أعلام الفكر الفلسفي المعاصر، تأليف فؤاد كامل، دار الجبل بيروت.
ـ المذاهب الوجودية، من كيركجورد إلى جان بوك سارتر، تأليف ريجيس جوليفيه، ترجمة فؤاد كامل، مراجعة الدكتور محمد عبد الهادي أبو زيد، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
ـ سلسلة أعلام الفكر العالمي، كيركجرد، تأليف فريتيوف برانت، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1981.
ـ سلسلة الفكر المعاصر، رائد الوجودية، حياته وأعماله، د. إمام عبد الفتاح إمام، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1983، الناشر دار التنوير للطباعة والنشر.
ـ سورين كيركجورد، أبو الوجودية، الدكتورة فوزية ميخائيل، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1962.
ـ موسوعة أعلام الفلسفة، العرب والأجانب، قدّم له الرئيس شارل حلو، إعداد الأستاذ روني إيلي ألفا، مراجعة د. جورج نخل، الجزء الثاني، باب الكاف، الطبعة الأولى 1412 هـ ـ 1992 م، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.


[1]  ـ موسوعة أعلام الفلسفة، العرب والأجانب، قدّم له الرئيس شارل حلو، إعداد الأستاذ روني إيلي ألفا، مراجعة د.جورج نخل، الجزء الثاني، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى 1412هـ ـ 1992م، باب الكاف ص 222.
[2]  ـ سورين كيركجورد أبو الوجودية، الدكتورة فوزية ميخائيل، دار المعارف بمصر ـ القاهرة 1962، ص 10.
[3]  ـ سلسلة أعلام الفكر العالمي، كير كجرد، تأليف فريتيوف برانت، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص 5 ـ 6.
[4]  ـ موسوعة أعلام الفلسفة، ص322.
[5]  ـ سلسلة الفكر المعاصر، سرن كير كجور، رائد الوجودية حياته وأعماله، د. إمام عبد الفتاح إمام، الجزء الأول، الطبعة الثانية 1983، الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر، الصفحات 256 ـ 258 و 261 و 264  و 268 و 271 و 273 ـ 274 و 276.
[6]  ـ أعلام الفكر الفلسفي المعاصر، تأليف فؤاد كامل، دار الجيل بيروت، ص 181.
[7]  ـ المرجع نفسه ص 178 ـ 179.
[8]  ـ المذاهب الوجودية من كيركجورد إلى جان بوك سارتر، تأليف ريجيس جوليفيه، ترجمة: فؤاد كامل، مراجعة: الدكتور محمد عبد الهادي أبو زيد، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ص 41 ـ 43.
[9]  ـ سورين كيركجورد أبو الوجودية، ص 117 ـ 119.
[10]  ت المرجع نفسه، ص 124 ـ 125.
[11]  ـ سرن كير كجور، رائد الوجودية، ص 330 ، 331 ، 334 ، 338 ، 339.
[12]  ـ سلسلة أعلام الفكر العالمي، كير كجرد، ص 162 ـ 163.
[13]  ـ سرن كير كجور، رائد الوجودية، حياته و أعماله، ص 329.
[14]  ـ موسوعة إعلام الفلاسفة، ص 327.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق