الخميس، 11 أكتوبر 2012

مقال: جغرافيا عالم الإسلام في فكر ابن خلدون.


نشرت مجلة التفاهم  مقالي هذا بعددها 33...
مجلة «التفاهم» العمانية تخصص محورا للجغرافيا التاريخية والإنسانية للإسلام وقضايا التجديد والمتغيرات
رضوان السيد
خصصت مجلة «التفاهم» العمانية محور عددها الثالث والثلاثين للجغرافيا التاريخية والإنسانية للإسلام وقضايا التجديد والمتغيرات. وقد افتتح العدد رئيس تحريرها الدكتور عبد الرحمن السالمي ببسط للنظريات الحديثة في جغرافية الإسلام التاريخية، وذلك من مثل النظريات التي تتحدث عن الطبيعة الصحراوية للإسلام، والأخرى التي تتحدث عن الطبيعة المدينية للإسلام بسبب قيام حواضره الكبرى على البحار والأنهار العظيمة. ويسيطر الإسلام حتى اليوم على مناطق شاسعة من أفريقيا وآسيا، وقد انحسرت مناطق توسعاته في أوروبا، لكنه يعود فينتشر من خلال الهجرات في أوروبا والقارة الأميركية. ولذا فإن سؤال المتغيرات يصبح سؤالا مركبا، لأنه تختلط فيه المسائل التاريخية مع المسائل السكانية والجيوسياسية ومسائل الموارد. أما رضوان السيد (كاتب هذه المراجعة) فكتب مقالة عن أثر الهجرة والفتوحات في تكون دار الإسلام. فالمعروف أن القرآن طلب من المسلمين الهجرة والتجمع بالمدينة المنورة التي هاجر إليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بعد فتح مكة توقفت الهجرة إلى المدينة، وجرى التوسع من خلال الفتوحات. والواقع أن المتغير الرئيسي بعد الفتح المكي كان الإعلان عن ظهور الأمة ودار الإسلام. والأمة واحدة بحسب القرآن، من الناحية الدينية والدار والسلطة. وقد نظر الفقهاء لذلك ووضعوا تعريفات لدار الإسلام. ثم حصل التفاوت والاختلاف بين الأمة والدار والسلطة أو السلطات، إلى أن أطلت الأزمنة الحديثة، وحل النظام الدولي محل الأنظمة الإمبراطورية في عصر القوميات الذي لا يزال قائما.
واختص إلياس بلكا ابن خلدون بدراسة مطولة سماها: «جغرافيا عالم الإسلام في فكر ابن خلدون». وقد ذهب بلكا إلى أن ابن خلدون يملك نظرات أصيلة في الجغرافيا الإنسانية والسياسية، وإن أفاد فيها من جغرافية بطليموس والإدريسي. والحق أن ابن خلدون يتحدث عن دور كل من البادية والحاضرة في إنشاء الدول، التي تبدأ بالعصبية الصحراوية، ثم تصبح دولة عندما تتخذ من بعض الحواضر القديمة عاصمة أو تعمد لبناء عاصمة جديدة. فلا أحسب أن ابن خلدون يمتلك نظرية في الجغرافية، لكنه يمتلك رؤى في قيام الدول وانهيارها، وفي قيام المدن والأمصار العظام كما يقول.
وكتب محمد الحداد مقالة بعنوان: «الأمة بين الجغرافيا الذهنية والواقع السياسي». وقد ركز على ظهور مفهوم الأمة في الإسلام. كما اهتم بتغيرات المفهوم في زمن الدولة القومية. وهو ينتظر أن تؤثر الثورات العربية في تجديد المفاهيم وتحولاتها. ويذكر محمد عفيفي صاحب مقالة: «حدود الدين وحدود الدولة»، الخلاف في كيفية انتقال الخلافة من الخلفاء العباسيين الذين كانوا بمصر زمن السلاطين المماليك: فهل أخذ العثمانيون الخلافة أو اللقب بعد وفاة العباسي بالقاهرة، أم أن اللقب أخذ للضرورة بعد اتفاقية كوجك كينارجه مع الروس حول القرم عام 1774. ويرصد محمود إسماعيل بشكل موجز دار الإسلام بين الفقه والتاريخ والجيوبوليتيكا. فهناك تنظيرات الفقهاء، وهناك الواقع التاريخي الذي حكم خروج المسلمين من هنا إلى هناك وهنالك. وفي حين كان محمد الحداد قد رأى أن الثورات العربية سوف تعيد طرح مفهوم الأمة من جديد، فإن الأستاذ محمود إسماعيل يرى أن الأمر صار ماضيا منقضيا. ويقدم أحمد أبو الوفا دراسة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي صار اسمها منظمة التعاون الإسلامي. وتحت عنوان طريف هو «الهجرة إلى الغرب»، يدرس الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي أسباب الهجرة، وانطباعات الرحالة المغاربة الطيبة عن الهدوء والاستقرار. أما مانديس، فإنه ينطلق من نظرية المركز والهوامش، لأنه يؤرخ للثقافة وليس للحضارة، ويدرس الثقافي في ضوء الجيوسياسي والإنساني.
وبعد مقالات المحور في الجغرافيا التاريخية والإنسانية للإسلام، يأتي باب الدراسات، وفيه دراستان؛ إحداهما عن القيم المشتركة بين المسيحية والإسلام لليونارد دوغلاس، والثانية لمحمد الناصري بعنوان: «قضايا في الفكر الأخلاقي». أما دوغلاس فيستعرض القيم المسيحية ثم الإسلامية، ويستظهر وجود وحدة أو تلاق بين الدينين في نطاق الميراث الإبراهيمي. في حين ينصرف الناصري لدراسة أخلاقيات الفلسفة اليونانية فالمسيحية، ليقرأ بعد ذلك المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وليقارن بين الأطراف الثلاثة، وإمكانيات التعاون والتضامن. وفي باب «وجهات نظر» هناك مقالتان أيضا: «دمج المسلمين في المجتمعات الأوروبية بين رؤيتين» لعواد علي خضير، و«سلطة الحداثة وسلطة ما بعد الحداثة» لنصر الدين بن غنيسة.
ويعني عواد خضير بالرؤيتين في الاندماج؛ الأولى التي ترى التأكيد على الخصوصيات والاعتراف بها وحقوق الأقليات. والثانية التي تقول بالاندماج الكامل والإصرار على حقوق المواطنة. بينما ينصرف بن غنيسة لتعريف الحداثة والإنسان الذي صنعته، وما بعد الحداثة، التي هي في طور التشكل الآن، وما تطرحه من قيم ومواضعات ونقائض، والنَسَب أو الصلات التي تشترعها أو تقتضيها أيضا. وفي باب «آفاق» يدرس محمد زاهد جول فلسفة الأنوار الأوروبية التي أجاب عمانوئيل كانط عن سؤالها الأول، وتأثيراتها كما وصلت إلى المسلمين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وما صلات الأنوار بالإصلاح والتغيير. بينما يذهب عماد عبد اللطيف في مقالته: «استراتيجيات التعايش وكفاءة الحوار بين العرب والغرب»، إلى أن التعايش تحقق أو هو في طريقه إلى ذلك، بينما لا يزال الحوار الواعي يخطو خطواته الأولى على الرغم من كثرة المحاولات. وفي باب «مدن وثقافات» كتب أستاذان مصريان، فدرس حاتم الطحاوي «الجغرافيا التاريخية للبحر الأحمر قبل الإسلام»، من خلال الدراسات التي تمت بهذا الخصوص، بينما يدرس عمرو عبد العزيز منير مسألة كنوز مصر القديمة بين الأسطورة والتاريخ. والمعروف أن الجغرافيين المسلمين ذكروا أساطير كثيرة عن هياكل مصر وأهراماتها، وما كانت هناك دراسات علمية يصح اعتبارها كذلك إلا في القرن التاسع عشر.
وقد انفرد هذا العدد من مجلة «التفاهم» في باب «متابعات»، بمراجعة أعمال ثلاثة مؤتمرات، الأول هو ندوة العلوم الفقهية، التي تنعقد بعمان منذ عشر سنوات. وقد كتب المراجعة معتز الخطيب، ودارت حول الندوة الأخيرة بعنوان: «الفقه الإسلامي في عالم متغير»، وقد حاضر فيها زهاء الخمسين عالما انقسمت محاضراتهم على ثمانية محاور. وتناولت شتى المتغيرات التي تحيط بعالم الإسلام وتتخلله في الزمن الراهن، ومنها الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والإنساني والسياسي. كما كان هناك تناول للمبادئ الفقهية والأصولية التي يجري إليها الاحتكام في النظر إلى تلك المتغيرات. ودارت المراجعة الثانية للأستاذ الألماني هانز غاوبه حول المؤتمر الذي انعقد عن الإباضية بجامعة توبنغن بألمانيا. وقد قدم غاوبه وهو مؤرخ وآثاري لأبحاث الندوة بمقدمة طويلة في تاريخ عُمان وجغرافيتها، ثم ذكر محاور المؤتمر وأبحاثه: عمان والعالم الخارجي حتى العام 1500م، وعمان وشرق أفريقيا، وإمبراطورية عمان البحرية، ونظرة الخارج إلى عمان والإباضية. والطريف أن نظرة الخارج هذه تناولتها عشر محاضرات. وكان طريفا جدا بحث جون ويلكنسون حول الهوية العمانية. وحاول عبد الله بن علي العليان استعراض بحوث ندوة القيم العمانية في مطلع شهر يونيو (حزيران) عام 2011، بمسقط. وقد شارك فيها ثلاثون باحثا، وحضرها جمهور كبير. وكانت فيها محاضرات لأساتذة من مصر والمغرب وعمان ولبنان. وتناولت البحوث القيم القرآنية، والأخلاق الاجتماعية، والفروق بين القيم والأخلاق، وأدوار المواطن في التنمية.
وجاء باب «الإسلام والعالم» خاتمة للمجلة. وقد نشرت المجلة في الباب المذكور مقالتين مترجمتين، الأولى بعنوان: «الدراسات الإسلامية في الغرب وحركات الإسلام السياسي» لناثان براون (عن المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، 2010)، والثانية بعنوان: «فلسطين وأوروبا والذهاب إلى الأمم المتحدة» لخالد الجندي وروري ميللر. في المقالة الأولى هناك قراءة نقدية لأعمال الدارسين لحركات الإسلام السياسي من شتى المجالات. وفي المقالة الثانية قراءة للمسار الذي أفضى بالسلطة الفلسطينية للذهاب إلى الأمم المتحدة، وماذا ينتظر من آثار لذلك الذهاب.
تدخل مجلة «التسامح» (التفاهم) العمانية عامها التاسع، وهي مجلة فكرية إسلامية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالسلطنة. وهي فصلية الصدور، وتعنى بالدراسات الأكاديمية في شتى جوانب الحياة التاريخية الإسلامية، ومن جانب علماء اجتماع وفقهاء ومؤرخين وأساتذة في الفلسفة والآداب. 
عن الشرق الأوسط، عدد 25-10-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق