الاثنين، 17 ديسمبر 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (14):

                           جان كالفن

       من إعداد:   مريم إدريسي توراغتي                                                                  

حياته:
        هو اللاهوتي جان كالفن الذي أسس الطائفة الكالفانية  ,من زعماء حركة الإصلاح وهي الحركة الدينية  المسيحية التي اجتاحت أوروبا في القرن السادس عشر وشقت العالم المسيحي إلى كنيستين ,كاثوليكية وبروتستنتية.
ولد في فرنسا في  10 يوليو من عام 1509 وجه في سن مبكر ليصير كاهنا ,فتلقى رتبة قص الشعر وهي أبسط الدرجات الإكليركية سنة 1521 , تسلم رعية القديس ″مارتان دي مارثفيل″ سنة 1527 .
أرسل عام 1523 إلى باريس حيث تابع بنجاح بارز دروسا في القواعد اللغوية و المنطق و الفلسفة في كل من الكوليج دي لامارساي سنة 1523, وكلية مونتيغو بين سنتي 1524 و1527 الجديدة آنذاك . تأثر في هاتين الكليتين بفكر″ ماثورين كوردييه″ الانجيلي وبفكر″ نويل بيد″ا المدافع بحماس عن الأرثودكسية الكاثوليكية.
قبل أستاذا للفنون سنة 1528 وانتقل إلى أورليان ليدرس الحقوق و منها إلى بورج حيث عمل تحت إدارة السيات الشهير .
تتلمذ على″ ملكيور فولمار″ اللوثري فتعلم منه اليونانية و العبرية  و اللاهوت و توجه تحت تأثيره  نحو الإصلاح
عاد سنة 1531 إلى نوايون التي تابع فيها محاضرات القراء الملكيين.
أصدرت محكمة التفتيش حكما  بحقه فتحول إلى حياة تجوال وهروب بشر  خلالها بالإصلاح بادئا بسانتونج  وفي أنغوما و منتقلا إلي نيراك ,ثم عاد إلى نوايون في أيار سنة 1534,وغادرها إلي باريس.
بدا سنة1536 بنشر كتابه "تأسيس الديانة المسيحية"مضمنا إياه عقيدته ونظرياته الخاصة في الدين, سافر إلى فرار ومنها انتقل إلي باريس.توجه إلي جنيف في خريف سنة 1536حيث استقبله فارير وحيث حاول تطبيق مبادئه خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1536و1538 فاخفق إخفاقا أدى إلى ثورة الجنيفيين على قساوة النظام الذي فرضه كالفن بمساعدة فاريل .
انتقل بعد هذا الإخفاق تلبية لدعوة بوسر إلى ستراسبورغ ,حيث تزوج من الأرملة اللييجية  de liège ,حيث أدار كنيسة لاجئي فرنسا وعلم اللاهوت مقيما علاقات مع العديد من المفكرين الألمان الإصلاحيين ,ا استدعاه فارير ومجلس مدينة جنيف فعاد إليها سنة 1541 ليعاود و ينضم سعيه الذي توقف عام 1538 ,و لينظم كنيسة جديدة تتألف من القساوسة الذين يعاونهم مجمع رجال دين وعلمانيين و شمامسة ودكاترة يتولون تعليم العقائد.
اشتهر بمناهجه و بتركيزه على شرح النصوص الإنجيلية.استعمل كالفن في جنيف القوة للسيطرة على معارضيه و معاقبتهم.
فنفى بين سنتي 1542و1546 ستة وسبعين معارضا بمن فيهم″ كاستليون″ الذي رفض الاعتقاد بنزول المسيح إلى جهنم, كما أدى إلى تعذيب و إعدام جاك غروييه المسؤول عن كتابات معادية للنظام .
واتهم كالفن جاك سرفييه برفض الثالوث ,فأدى به إلى الموت على المقصلة .
نال عدد كبير من اللاجئين الفرنسيين صفة البرجوازيين فقوي نفوذ كالفن بازدياد عدد الأعضاء المؤيدين له,أدى هذا الازدياد في القوة والسلطة إلي ارتياح كالفن الذي  انصرف إلي تنظيم نتاجه العقيدي وإلى الإكثار من المواعظ في المدينة التي جعل منها عاصمة و مركزا لانتشار البروتستانتية في أوروبا ,أسس أكاديمية جنيف البروتستانتية,محددا مهمتها في تربية و تعليم القساوسة الذين سيديرون العبادة الإصلاحية.
فكره:
     يعتبر إصلاح الكنيسة المسيحية في ق 16 من أهم الأحداث التاريخية والدينية التي اعتبرتها الكنائس جمعاء, فبعد مرور 15 قرنا من تواجدها حان الوقت لكي تعيد الاعتبار لماهيتها , إذ اقتضى الأمر أن تراجع أبعادها الدينية و الفكرية  و يفرض عليها الإصلاح ,وهذا التحول هو تحول لا إرادي إذ أن الفلاسفة والمفكرين لم يقوموا بهذا العمل بقدر ما أن كلام الله″ ″parole dedieuهو الذي أحدث المعجزة .
فالقول بكنيسة مصلحة يعني الإيمان بأن الكنيسة هي التي أصلحت نفسها دون تدخل الإنسان الذي يعتبر مجرد سبب لإيقاظ الكنيسة من سباتها.
ارتبط فكر كالفن بالكنيسة في القرن 16 قرن الإصلاح و العودة إلى الأصول بامتياز, هذا القرن عرف ميلاد مجموعة من المفاهيم نذكر منها على وجه الخصوص "البروتستانتية" protestantisme"" .
واكتسى المفهوم الديني صبغة واضحة إذ يحث على الرجوع إلى الأصل (القرن الأول: ميلاد المسيح) حيث الدين في نقاوته وصفائه لا تشوبه بلبلة ولا وسوسة.
       تأثر كالفن بفكر لوتر دون أن يماثله كليا:
فأكد أن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر المختومين بختم الخطيئة التي سببتها خطيئة آدم, وهو ختم لا يبرر الإنسان منه غير الإيمان الذي يعتمد الكتاب المقدس مصدرا له.
الإيمان المبرر يتبع الإيمان بسيادة الله المطلقة والحصرية , ويخضع له كما يتبع ويخضع لبذله الذات والإخلاص للمجد الإلهي والتبشير بالإيمان ليس تبريرا بالأفعال والأعمال الحسنة التي يقوم بها المؤمن , بل هو تبرير بالنعمة الإلهية التي لا يمكن مقاومتها والتي أدت بكالفن إلى الإقرار بالجبر الإلهي الذي يكتب بقرار إلهي حر ومطلق .
قدر كل إنسان بالهلاك أو بالخلاص إذا كان من الذين يصطفيهم الله ويهبهم نعمته التي تظهر في سر الفعل الإلهي, داعيا إياهم إلى سلوك طريق حمل الصليب والألم لبلوغ الخلاص.
وبما أن سيادة الله المطلقة هذه واصطفاؤه لبعض المؤمنين لا يناقضان حرية الإنسان ولا ينفيانها بحسب كالفن, أوجب على المؤمنين ألا يكفوا عن التماس الرأفة الإلهية عن طريق التأمل والصلاة الربانية , وعن طريق الأسرار المقدسة التي رفض كالفن من عددها عند الكاثوليك خمسة أسرار مبقيا على سري العماد والقربان اللذين أكدا أنهما رمز النعمة الإلهية وبرهان وجودها نافيا عن سر القربان فكرتي تحول القربان إلى جسد المسيح ومرافقة وجود الله للقربان .
فاختلف بذلك مع كل من النظريتين الكاثوليكية واللوترية حول القربان بعد أن خالفهما بنظريته حول الجبر الإلهي .
نظر كالفن بعد ذلك إلى المأثور العقيدي فقبل الثالوث وتجسد ابن الله في أحشاء العذراء وحول طبيعتي المسيح الإلهية والإنسانية .
لم ينس كافن العبادة فدعا إلى إعادتها إلى بساطتها الأولى بالتوجه مباشرة إلى الله وحده, وإلى التعبير عنها بلغة يعرفها المؤمنون .
رفض عزوبة الكهنة والاعتراف العلني اللذين أوجبت الكنيسة الكاثوليكية عليهما أن يرافقا النذور الرهبانية.
وليدعم مجهود المؤمنين وسعيهم نحو القداسة قال كالفن بضرورة وجود كنيسة تبشر بكلام الله, وبضرورة وجود دولة تعمم النظام وتفرضه .
اختار كالفن لكنيسته الدستور البرسبيتيرياني وأشار إلى أنها تشكل من قساوسة ينتخبهم المؤمنون ويناط بهم تعليم الكلام الإلهي بعد أن يخضعوا لامتحان عقيدي , ويشكل أولئك القساوسة مجمعا أسبوعيا يجتمعون فيه مرة كل أسبوع وسينودسا يجتمعون فيه مرة كل شهر ويعاون قساوسة الكنيسة الكالفينية دكاترة يتولون التعليم العقيدي ومجمع يتألف من ستة رجال دين ومن اثني عشرة رجلا علمانيا ويعاونهم أيضا الشمامسة .

  أوكل كالفن إلى كنيسته بالإضافة إلى التبشير بكلام الله بمهمة منح سر العماد وإحياء ذكرى العشاء السري,وزيارة المرضى وتدريس التعليم المسيحي.
   سعى إلى تحقيق الإصلاح عبر عظاته الكثيرة العدد, وليتكامل فهم المؤمنين بفكره الإصلاحي ارتأى كالفن تثقيفهم بالتعليم المسيحي بواسطة عدد من المدارس الأولية وبواسطة كلية جنيف التي حولها إلى مركز جامعي اشتهر بمناهجه المستوحاة من مناهج إنسانيي القرن السادس عشر والمرتكزة على دراسة المدونات اليونانية اللاتينية وعلى شرح النصوص الإنجيلية وتأويلها .
   لم يقتصر كالفن في نشر دعوته الإصلاحية على التبشير بل تعداها إلى القوة التي استند فيها على مبدأ عقاب الهراطقة فأدى إلى نفي وتعذيب وإعدام العديد من معارضيه  .
     لقد قدم كالفن العديد من الأفكار واقتحم عدة مجالات ونشر بذلك العلم والمعرفة وحث المجتمع على الانفتاح على الكنيسة و رجال الكنيسة إلى الانفتاح على المجتمع المدني.
فأصبحت جنيف بقيادته مركزا للبروتستنتية حيث وضعت الكنيسة القوانين للمدينة , وتحكمت في كل ناحية من حياتها اليومية وكانت تلك القوانين صارمة وفرضت على أهل جنيف أن يكونوا جادين ومجدين ومتقشفين, وحظر عليهم الرقص والغناء باستثناء التراتيل الدينية, وكانت عقوبة المخالفين قاسية .
استفاد كالفن من هذه التجربة خاصة من الكنيسة التي بدأت تشهد الإصلاح وتتخلص من أزماتها التاريخية, هذه الكنيسة التي تحمل في طياتها آثار الفكر الزويغلي لا من حيث تشكيلها ونظامها ولا من حيث علاقتها مع الدولة, وكان الاحتفال ب   "La Sainte Cène" يحمل أيضا آثار المفكر لوتر .
   فهذا الوضع الذي وجد فيه كالفن هو خلاصة مخاض أفكار الفلاسفة والمفكرون المصلحون الذين سبقوه.

من مؤلفاته:
• في التسامح
• في نوم النفوس
• تأسيس الديانة المسيحية
• شروح على رسالة بولس إلى أهل روميا
• مقالة صغيرة في العشاء السري
• رسالة إلى الكاردينال سادوليه
• الدفاع عن مذهب جبرية الاختيار
• مقالة الذخائر
• المقالة المقتضبة حول ما يجب أن يفعله رجل مؤمن بين البابويين
• الاعتذار للسادة النيقوديميين
• الرد على شيعة الزنادقة الخيالية
• إحياء النصرانية
• تصريح للحفاظ على الإيمان الحق بالثالوث
• مقالة الفضائح
• مقالة في الجبر الأزلي
• الإجماع حول ألوهة يسوع المسيح
• الرد على الإخوة البولونيين  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق