الاثنين، 17 ديسمبر 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (19):إراسموس { ديزيديريوس }.


إراسموس { ديزيديريوس }
 (فقدت اسم المؤلف، وهو أحد طلبتي بالماستر.)
حياته:
ديزيديريوس  إراسموس    Desiderius Erasmus, و يسمى بالفرنسية     Didier Erasme
من أصحاب النزعة الإنسانية ، واعظ و قسيس كاثوليكي هولندي.
ولد في روتردام عام 1466 م. كان ابنا غير شرعي لروجز غرين و مرغريت و قد أثرت هده الولادة على حياته المستقبلية .
دخل الدير في " خودا" { في وسط هولندا}، و لكنه مالبث أن تركه بعد أن عرض عليه أسقف كنبريه أن يتخذه كاتبا عنده ، فرافق الأسقف و سافر إلى فرنسا و أنجلترا و إيطاليا و سويسرا ، و اختلط بأصحاب النزعة الإنسانية في أورباو توطدت علاقته بتوماسمور و جون كولت و جيمس فيشر و غيرهم. و شجع هؤلاء على دراسة الكتب المقدسة، فعمد إلى دراسة اللغة اليونانية ليتسنى له فهم الكتاب المقدس بلغته الأصلية، و تعلم اللغة العبرية، و كان أول معلم لليونانية في جامعة كمبرديج، كما حاضر في جامعة أكسفورد، ثم زار إيطاليا حيث نشر مبادئه الإنسانية و حصل على درجة الدكتوراه من جامعة تورينو في 4 أيلول عام 1506 فذاع صيته، و أصبح يتمتع بمكانة عالية في أوساط المؤسسات العلمية، و لدى الطبقات الحاكمة. و منحته الكنيسة لقب " علامة" وعده بعض المفكرين أميرالإنسانيين و أعظم مفكريهم و أوسعهم علما و خيالا.
في سنة 1509 دعاه هنري الثامن إلى بلاطه فعاش في بريطانيا سنتين، ثم عين مستشارا لعاهل الأراضي الواطئة شارل.
أراد الاستقرار نهائيا في بال سنة 1521، و لكن نجاح حركة الإصلاح الديني في المنطقة أجبرته على اللجوء إلى فريبورغ في ألمانيا، عاد بعدها إلى وطنه الأم هولندا، لكن مرض التفرس قضى عليه في بال قبل أن يرى مسقط رأسه. و كانت وفاته سنة 1536 و دفن في تدرائية بال 1
ومن مؤلفاته:
- "الأقوال المأثورة " { مجموعة أقوال و مآثر القدماء } سنة 1500.
- " الجندي المسيحي" ما بين { 1500 و 1503 }
- " النبي المزيف" { ترجمة لاتينية لبعض دراسات الناقد الساخر لوقيانوس } سنة 1506
- " مديح الجنون" سنة 1511
- قام بنشر الإنجيل باللغة اليونانية لأول مرة في أوربا سنة 1516
- " رسالة في حرية الاختيار" سنة 1524
-" تربية الأولاد تربية حرة" و كتاب: " طريقة التدريس"
الفكر الديني لإراسموس:
إراسموس شخصية مهمة جدا في تاريخ التنوير الأوربي، صحيح أنه ينتمي إلى عصر النهضة إلا أنه أصبح نموذجا و مثالا للكثير من التنويريين في القرنين السابع و الثامن عشر. من المعلوم أن عصر النهضة هو أول خطوة للخروج من عصور الظلام الأوربية.
العصور التي سيطرت فيها الكنيسة على كل منادي الحياة و كل أشكال التعبير و الرؤية.


1- موسوعة الأعلام و الفلسفة ج 1 ص 67 - 68
لا أن عصر النهضة جاء كخروج على هذا كله . صحيح أنه لم يصل في خروجه هدا إلى مستوى الجذور و الأعماق كما جرى في التنوير الأوربي إلا أنه بدأ الحركة من خلال استعادته لأفق مختلف عن السائد، أفق الأدب و العلوم و الفلسفة الإغريقية التي كانت تعامل في ذلك الوقت على أنها آداب وثنية يحرم تداولها.
هده العودة أدخلت الحياة للساحة الثقافية الأوربية، تجددت اللغة و بدأت الأفكار تتحرك و أخذت الأسئلة تأخذ طريقها إلى الكثير من العقول مما خلق خطا موازيا و منافسا للحط السائد الذي كانت تتبناه الكنيسة. و هذا ماجعل هذه الأخيرة تشن الحرب ضد هذه الحركات و الأفكار و مطاردة أصحابها من أجل إسكاتهم بأي طريقة كانت.
أحد هؤلاء الضحايا هو صاحب كتاب " مديح الجنون" { إراسموس } و هو الكتاب الذي سنعتمده لمعرفة الفكر الديني المسيحي عنده.
" مديح الجنون" هو عمل نقدي لعصر بكامله، عمل وجه فيه إراسموس نقده لكل رموزه و لكل تجلياته البارزة. جاء هذا العمل في وقت كان النقد محرما و يترتب عليه عقوبات شديدة . و هذا ما يعطي هذا العمل قيمته الحقيقية أنه " علق الجرس" و فتح الباب الذي لم يغلق حتى الآن على كل رموز التخلف و الجهل.
انتقد إراسموس الكنيسة و رجال الدين و الملوك و الأمراء، نقد التجار و الفلاسفة و اللاهوتيين. تهكم على الثالوث و التجسيد و عقيدة استحالة القربان و لم يوقر آباء الكنيسة من كرادلة و أساقفة و رهبان 2



1-               موقع إلكتروني : www.arab.ency.com
2-               موسوعة الأعلام و الفلسفة ج 1 ص  68
شن إراسموس هجمته الكبرى على الباباوات، و من المهم هنا التذكير أنه لم يخرج عن الدين أو ينتقده ، بل بقي متدينا حتى النهاية. و لكنه صب جام غضبه على كل من تلاعبوا بالدين، و حين يصل الأمر إلى السخرية بالبابا فهذا يعني أن النقد شمل الكل.
البابا يرفع سيفه باسم المسيح فيما جاء المسيح لزرع السلام بين الناس. هذه المفارقة تخفي تحتها حقيقة و سبب هذه الحروب التي تشن باسم الدين على طول التاريخ. إنها تستجيب لرغبات المنتفعين في البلاد دائما { رجال الدين و رجال الكنيسة }. يذكر إراسموس في هذا الكتاب أن حضر إحدى المناقشات بين رجال الدين المسيحيين، و مان أحدهم يسأل عن الدليل من الإنجيل على أن الهرطيق يجب أن يحرق بالنار بدلا من أن يتم إقناعه. فقام أحد رجال الدين الكبار و قال: إن هذه سنة سنها بولس الرسول حين قال: " فلتزجر الهرطيق بضع مرات، ثم فلتطرحه عنك " و فسر رجال الدين قوله : " فلتطرحه عنك" أي : فلتلتقي به في الآخرة، أي ، تنتهي حياته . أثار هذا التأويل إعجاب الحضور من المؤمنين مستلبي العقول.
باختصار لقد نقد إراسموس " عقل" ذلك العصر و امتدح الحماقة التي هي كل ما يخالف ذلك العقل.
يعتبر إراسموس ممهدا للوثر و حركة الإصلاح الديني البروتستانتي. كونه ابتدأ نقد المتدينين لرجال الدين، أي النقد من داخل المنظومة، ثم سار بعده لوثر بثورية أكبر و أكثر حيوية و فاعلية. كل هذه الحركات صبت في طريق التنوير و الإصلاح الأوربي رغم اختلاف هذه الخطوط و تقاطعها إلا أنها كانت تسير إلى الأمام و مقياس ذلك الإنسان حيث تحسنت حياة الإنسان الأوربي و تخلص من كثير من القيود التي كانت واقعة عليه حتى وصل إلى مستويات من الحرية لم يسبقه إليها أحد.
و سخر أيضا من أصحاب القلوب الطيبة الذين ظنوا أن العبادات الطقسية و ممارسة بعض أعمال التقوى كافية أن ترسلهم إلى السماء لكنه لم يهاجم الكنيسة أو يحاول الانفصال عنها، لإيمانه بوحدة المسيحية، و عارض المناهج الصارمة في المدارس البابوية و الأديرة، و قسوة القيود و الفرائض التي ألزم بها الناس.
و قد أفاد من روحه الإنسانية المرحة و طريقته التهكمية اللاذعة التي وجدت صدى محببا لدى الشعب عامة.
آمن إراسموس بقدرة التربية على تغيير العالم و أعرب عن رغبته في أن يعرف كل ولد فلاح سقر المزامير، و ينشده، و يردده. و اعترف بأن عمل التربية بطء الخطا، قليل التقدم، و لكنه قادر على إذكاء روح النهضة، و الثورة على التسلط و الاستبداد، و فضل الثورة الفكرية و الثقافية المسيرة بعقل و اتزان على إخضاع إيمان الجماهير للرغبة أو الرهبة.
أجاد نظم الشعر و له قصيدة نظمها على لسان السيد المسيح، يخاطب فيها الجنس البشري الهالك و يدعوه إلى معرفة الحق و طريق الخلاص، و أنه وحده " أي المسيح" مصدر كل صلاح و بر و سلام/ و انقياد النزعة إنسانية شاملة متأثرا بأفلاطون ، حاول صياغة مذهب فلسفي إنساني ديني ، ينأى عن الخلافات الدينية و يلح على إيجاد مبادئ عامة مشتركة. و يؤكد أن المسيحي الإنساني يدافع عن الحقيقة و الحرية و سمو الشخص الإنساني الذي ينير عقله بالروح و هو يتقصى السر الخفي الذي هو المسيح.
 خاتمة:
بذل إراسموس جهده في دعوة الناي إلى استعمال عقولهم في أمر خلاصهم و الاستفادة من المعارف الإنسانية : الموروثة و المكتسبة، في سبيل إنهاء النزاعات الدينية، داخل الكنيسة و خارجها. و شجعهم على إتباع وسائل الحكمة و التعقل في حل مشاكلهم. و أن يحيوا مسيحيين حقيقيين وفق مقاييس الإنجيل و مفاهيمه. و قد منحه عقله الصافي و فكره النير شهرة واسعة، و قاده علمه الموسوعي إلى الإيمان بقدرة الإنسان على التفكير العقلي الصحيح الذي يمكن أن يحرره من الأوهام و الخرافات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق