الاثنين، 17 ديسمبر 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (18):سبينوزا،إعداد لكحل محمد.



سبينوزا 1632-1677
من إعداد لكحل محمد
حياته
ولد سبينورزا في عام 1632م في أمستردام، هولندا، عن عائلة برتغالية من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين. كان والده تاجرا ناجحا و لكنه متزمت للدين اليهودي، فكانت تربية باروخ أورثودوكسية، ولكن طبيعته الناقدة و المتعطّشة للمعلرفة وضعته في صراع مع المجتمع اليهودي. درس العبرية و التلمود في يشيبا (مدرسة يهودية) من 1639 حتى 1650م. في آخر دراسته كتب تعليقا على التلمود. وفي صيف 1656 نُبذ سبينوزا من أهله و من الجالية اليهودية في أمستردام بسبب إدّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. بعد ذلك بوقت قصير حاول أحد المتعصبين للدين طعنه. من 1656 حتى 1660 اِشتغل كنظّارتي لكسب قوته. ثم من 1660 حتى 1663 اسّس حلقة فكر من أصدقاء له و كتب نصوصه الأولى. من 1663 حتى 1670 أقام في بوسبرج و ثم بعد نشر كتابه رسالة في اللاهوت و السياسة سنة 1670 ذهب ليستقرّ في لاهاي حيث اِشتغل كمستشار سرّي لجون دو ويت. في سنة 1676 تلقّى زيارة من الفيلسوف الألماني "لايبنيتز". توفّي سبينوزا 1677 في 21 أبريل.
فكره
عرف فلاسفة العرب و اليهودي و مؤلفات ديكارت و كتب "مقالة في إصلاح الإدراك" (1662). صدر له أثناء حياته "مبادىء فلسفة ديكارت" 1664 و "رسالة في الللاهوت و السياسة" 1670 . امتاز باستقامة اخلاقه و خطّ لنفسه نهجاٍ فلسفيّاٍ يعتبر أنّ الخير الأسمى يكون في "فرح المعرفة" أي في "اتّحاد الروح بالطبيعة الكاملة". و اللّه في نظره جملة صفات لا حدّ لها نعرف منها الفكر و هممكانية.و يرى أنّ أهواء الإنسان الدينيةّ و السياسيّة هي سبب بقائه في حالة العبوديّة.
وظف فكرة "الحق الطبيعي" لقد ألف هذا الفيلسوف كتاباً مهماً بعنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة"، شرح مضمونها بقوله: وفيها تتم البرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على التقوى (الدين) أو على سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاءً على سلامة الدولة وعلى التقوى ذاتها في آن واحد.
فلسفة العقل والأخلاق عند سبينوزا
" سأكتبُ عن الكائنات البشرية ، و كأنني أكتبُ عن الخطوط و السطوح و الاجسام الجامدة . وقد حرصتُ على ان لا اسخر أو العنَ أو أكرهَ الأعمال البشرية بل افهمها ، ولذلك نظرتُ الى العواطف .. لا باعتبار كونها رذائل و شرور في الطبيعة البشرية و لكن بوصفها خواص لازمة لها كتلازم الحرارة و البرودة و العواصف و الرعد و ماشابهها لطبيعة الجو . "
" على الرغم من انّني أجدُ أحياناً بطلان النتائج التي جمعتها بعقلي و تفكيري الطبيعي ، و لكن هذا لن يزيدني إلاّ اقتناعاً ، لأنّني سعيد في التفكير و جمع المعلومات و لا أضيّع أو قاتي في التحسّر و الحزن ، بل انفقها في السلام و الصفاء والسرور . "
ويرى أن السرورُ و الألم هما ارضاءُ الغريزة أو تعطيلها ، وهما  ليسا سببين لرغباتنا بل نتيجة لها ، اننا لا نرغبُ في الاشياء لأنها لاتسرنا ، و لكنها تسرنا لأننا نرغبٌ فيها و لا مناص لنا من ذلك.
 ويترتّبُ على ذلك أن لا يكون للإنسان إرادة حرة ، لأن ضرورة البقاء تقرّر الغريزة ، و الغريزة تقرر الرغبة ، و الرغبة تقرّر الفكر و العمل . و قرارات العقل ليست سوى رغبات ، و ليس في العقل إرادة مطلقة أو حرة ، وهناك سبب يسيّر العقلَ في إرادة هذا الشيء أو ذاك ، وهذا السبب يسيّره سببٌ آخر ، و هذا يسيّره سبب آخر و هكذا إلى مالانهاية ، يظنُّ الناس أنّهم أحرار لأنّهم يدركون رغباتهم ومشيئاتهم ، و لكنهم يجهلون الأسباب التي تسوقهم إلى أن يرغبوا أو يشتهوا .
 يمكنُ مقارنة الشعور بالإرادة الحرّة بحجر رُمي إلى الفضاء و إن هذا الحجر لو وهب شيئاً من الشعور لظن ّ اثناء رميه وسيره في الفضاء انّه يقرّر مسار قذفه ، و يختار المكان والوقت الذي يسقطُ به على الأرض .
ان اللذة هي انتقال الإنسان من حالة كمال اقل إلى حالة أعظمُ كمالاً . و الألمُ هو انتقال الإنسان من حالة كمال أعظم إلى أخرى أقلّ كمالاً . و أنا أقولُ انتقال لأنّ اللذة ليست كمالاً في حد ذاته : فلو ولد إنسانا كاملاً لما شعرَ بعاطفة اللذة ، و نقيضُ هذا يزيدُ الأمرَ وضوحاً .
 أنا أفهمُ من العاطفة أوضاع الجسد التي تزيدُ فيه أو تنقصُ قوة العمل والتي تساعدُ أو تقيّد هذه القوة ، وأفهمُ منها في الوقت ذاته الأفكار التي ترافقُ هذه الأوضاع . فكلما زادت مقدرة الإنسان في الاحتفاظ ببقائه و البحث عمّا ينفعه كلّما زادت فضيلته .
 لا يهملُ انسانٌ شيئاً نافعاً له إلا إذا كان يرجو خيراً أعظم منه . فإذا كان العقلُ لا يطلبُ شيئاً يتعارض مع الطبيعة ؛ لذلك يجبُ على كل إنسان أن يحبَّ نفسه ، و يبحثُ عمّا يفيده ، و يسعى إلى كلّ شيء يؤدّي به في الحقيقة إلى حالةٍ أعظمُ من الكمال . و إن كلّ إنسان يجبُ إن يحاول المحافظة على بقائه كلّما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
 إن محاولةَ الفهم هي الأساس الأوّل و الأوحدُ للفضيلة . و إن العاطفة فكرةٌ ناقصة . بحيثُ أنّ الفكرة يجبُ ألا تنقصها حرارةُ الرغبة ، كما أنّ الرغبة يجبُ أن لا ينقصها ضوء الفكرة . لأنّ العاطفة لا تظلّ عاطفة اذا ما تكوّنت في الذهن عنها فكرةٌ و واضحة جليّة .
تجدر الإشارة إلى أن اسبينوزا يعد من أشهر منتقدي الديانة المسيحية في القرن السابع عشر, وكان قد تأثر بالعازار الغرناطي الذي تأثر بدوره بابن حزم .
ورث سبينوزا تركة الفلسفة الديكارتية وإن كان قد وجه نقدا لركائزها فانه على العموم نظم فلسفة في إطارها العام وضمن مفاهيمها وتصوراتها .
ولهذا فإن رأي لبتنز كان صائبا حين قال :«جل ما فعله سبينوزا أنه حصد ما زرعه ديكارت» فكلاهما يركز على أنه ينبغي للعقل أن يستغرق في تأمل ذاته ومن ثم فإن العقل يستطيع أن يفهم الحقائق الكونية الكبرى ويعرف صحتها و كذبها، لأنه النور الفطري الذي يحمي الذهن من الوقوع في الخطأ و الأوهام.
  ويتفق العقل مع الوحي في الموضوع وهو الحقيقة. وفي الغاية وهي السعادة.فالإيمان ليس فوق العقل و لاتجبر عليه بدون فهم، على عكس عقيدة الثالوث يجب عليك أن تؤمن بها، ثم تحاول الفهم بعد ذلك يبقى على العقل  أن يطرح الأفكار الغامضة المشوشة، ويكتشف الطريقة الرياضية، وصولا إلى أفكار يخلقها هو بنفسه. كما أن سبينوزا يعتقد أن الرياضيات هي المفتاح لحل أسرار الكون. واكتشاف قوانينه، واتخذ الهندسة نموذجا بنى عليه فلسفته. كما أن الهندسة تبدأ بقضايا صادقة بذاتها، كذلك فإن البحث عن الحقيقة ينبغي أن يبدأ بقضايا صادقة بذاتها، لبناء المعرفة البشرية التي ترمي إلى تحقيق سعادة قصوى دائمة متصلة بالناس جميعا. وإن كان  ديكارت قد وجد في النفس أو الأنا، نقطة امتداد لفلسفته، فإن سبينوزا وجد في الله نقطة ابتداء انطلق منها في بناء المعرفة. لأن الله هو الوحيد الذي تتوفر فيه شروط الاكتفاء الذاتية،  ومن ثم انطلق من «الله» لبناء تصوره المعرفي. ففي رسالته « بحث في إصلاح العقل» يقول: « لكي نكتشف أفضل طريقة لاكتشاف الحقيقة لا تحتاج إلى طريقة أخرى لاكتشاف تلك الطريقة. ولا إلى طريقة ثالثة لاكتشاف الطريقة الثانية. وهكذا إلى اللانهاية،  فالطريقة الصحيحة تعنى بالبحث عن فكرة صادقة و إدراكها إدراكا مباشرا والتقصي عن طبيعتها ووضع قواعد معينة لتحاشي ضياع جهود عقلية... » لذلك يقتضي التفلسف أن ننظر في الطبيعة الإلهية قبل مواد الحس لأن الله سابق عليها من ناحية المعرفة ومن ناحية الوجود على حد سواء. وبعبارة أخرى أن مواد الحس تعتمد في وجودها على الله. فإذا أردنا  معرفتها وجب أن نعرف أن الله أولا.لأن كل شيء يلزم في طبيعة الله ضرورة.
يعطي سبينوزا نقدا  لمفهوم "الله" كما يقدمه الفكر الديني التقليدي باعتباره جوهرا مفارقا
 و مثاليا، إلا أنه يفرق بين الله والطبيعة. وإن كان يدمج بينهما إلا أنه يميز بينهما بأن يصطلح على الله ب«الطبيعة الطابعة» وعلى الطبيعة ب « الطبيعة المطبوعة» ويعلق عن هذا التصور بقوله: نفهم بالطبيعة الطابعة كل ما هو كائن في ذاته، ومتصور من خلال ذاته أو صفات الجوهر التي تعبر عن ماهية أزلية لا متناهية. ولكن بالطبيعة المطبوعة ومن ضمنها الإنسان ومن ضمن حواسه نفهم كل ما يصدر عن طبيعة الله أو أية صفة من صفاته بالضرورة.
إن الطبيعة الطابعة في نظر سبينوزا هي النظام الكلي للأشياء من حيث أنه ذو وجود ضروري وهو الله باعتباره سببا حرا. أما الطبيعة المطبوعة فهي الأجزاء الموجودة في العالم كالأجسام المادية أو هي الله باعتباره نتيجة، فليست الطبيعة الطابعة و الطبيعة المطبوعة متميزتين إلا من الناحية المنطقية. ولكنهما حقيقة واحدة ينظر إليها مرة من حيث إنها عملية ومرة من حيث أنها نتيجة تلك العملية. فالطبيعة الطابعة أو الله فهو الجوهر الوحيد اللامتناهي المتسبب لذاته، فإنه يعمل بحسب قوانين طبيعته وحدها، و لا يمكن لأي مخلوق أن يطلع على ذلك،إلا إذا شاء الله. و بالتالي فالله لا يتأثر بأي شيء آخر لأنه لا يوجد شيء خارجه يمكن أن يؤثر فيه أو يحدده. ومن ثم كان في نظر سبينوزا أن الله لا يستطيع ألا يفعل ما يفعله، و لا أن يفعل ما لا يفعله، فالله يعمل حسب قوانين طبيعته وحدها دونما تدخل من أي شيء خارجي، وهكذا تلتقي في الله الضرورة والحرية. فالله تعالى أوعد بفعل شيء لأوفى بعهده ولو أراد أن يكون حرا فيه ذلك لكان فلا يعجزه أي شيء بين الفعل وعدم الفعل. فكل ما يفعله يصدر عن طبيعته وحسب قوانينها
و أن الأشياء لا يمكن أن تحدث على غير ما حدث فيه. ولا أن لا تحدث على نحو ما تحدث فيه وليس إرادة الله  إلا قوانين الطبيعة الأزلية لأن الله هو النظام الكلي للطبيعة، فالله هو النظام الكلي الشامل للأسباب و النتائج، وعليه فليس الله السبب الفعال للأشياء فحسب بل هو سبب ماهيتها كذلك فوجود الأشياء و ماهيتها تلزم بالضرورة وجود الله.
إن دمج الجوهرين الله والطبيعة أفضى إلى نوع من وحدة الوجود حيث أصبح الله كل شيء، وكل شيء هو الله وعلى هذا كان سبينوزا يقول: « سائر الفلاسفة ينطلقون من العالم، وديكارت ينطلق من نفسه وسبينوزا ينطلق من الله » ومن هنا دفع سبينوزا بالعقلانية المثالية الذاتية التي وضع أسسها ديكارت إلى اتجاه أبعد. فكان الله تعالى في النسق الديكارتي يتوسط من ناحية التدرج في إثبات الأنا و الطبيعة، ومع سبينوزا أضيف أمر الركائز الثلاثة ودمجت في كل واحد هو الله بحالته الخالصة أو المتجلية الذي هو المبدأ لكل شيءن لأنه هو كل شيء. وضع سبينوزا الله في النفس البشرية مؤمنا بالحلول الميتافيزيقي. ومن ثم أدرج الوجود الذي كان منقسما من قبل في وحدة كلية واحدة فاعلة ومنفعلة في وقت واحد.
  انطلاقا من هذا التصور للفهم و الإدراك، وجه سبينوزا نقدا لاذعا للديانة المسيحية، فحاول أن يطرح الأفكار الغامضة و الملتبسة جانبا. ليعيد بناء المعرفة بناءا صحيحا. فأزاح الستار عن مظاهر التحريف و التزوير في المسيحية حينما اكتشف أن الأناجيل ليست من لدن المسيح. و أن الخطأ فيها وارد في مسألتي
الإسناد و المتن. ففي الإسناد سلسلة الرجال الذين سمعوا من المسيح أو كتبوا عنه غير معروفين، بل إن حتى كتاب الأناجيل مجهولي الشخصية. فضلا عن أن الأناجيل ليست صحيحة النسبة في متنها إلى عيسى لاسيما أننا نجد تعدد المتكلم في ثنايا المتن. فهل يعقل أن يتحدث عيسى بضمير الغائب عن نفسه، وهو الذي نزل عليه الوحي. ثم لماذا لم يوح إلى عيسى بكتابة الأناجيل وهو حي. كل هذا جعل سبينوزا لا يجد أدنى شك في القول بتحريف المسيحية و زيفها.

     لائحة المصادر والمراجع:
* المركزية الغربية: إشكالية التكون و التمركز حول الذات لعبد الله إبراهيم: المركز الثقافي العربي-البيضاء الطبعة الأولى 1979.
* "رسالة في اللاهوت و السياسة " لسبينوزا ترجمة حنى صنفي-المكتبة الأنجلو المصرية- بيروت باريس د.ط
* "تاريخ السوسيولوجيا": لفاستون بوتول: ترجمة ممدوح حقي منشورات عويدات بيروت باريس د.ط
* الموقع الالكتروني:  ar.wikipedia.org http://
* ينظر الموقع الالكتروني: www.almasira.net

أعتذر عن الـتأخر عن الموعد




                                                      
        


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق