الأربعاء، 11 يوليو 2012

مادة الثقافة الإسلامية ودورها في تعزيز قيم الوسطية بين الطلاب (2).

الثقافة الإسلامية، وقيم  التربية والوسطية
تأليف: إلياس بلكا
  الوسطية توازن دقيق  بين طرفين:
     إذن نحتاج أولا لتحديد مفهوم الوسطية، ومقابله الذي هو التطرف، ولابد أن نحدد أي تطرف نقصد، ثم كيف تشكل الوسطية الحلّ. بعدها يطرح سؤال العلاقة بين الوسطية والفكر والتعليم، خاصة أن المدرسة والجامعة هما من أفضل محاضن الوسطية وإشاعتها في مختلف طبقات الأمة.
     لكن من المناسب - قبل بسط هذه المسائل- أن نعرض لأهم نتيجة من نتائج هذه اللمحة السريعة عن مصطلحات الوسطية والأخرى ذات الصلة به، حيث نستنتج أن الوسطية مقام توازن بين أطراف متطرفة، لذلك فهي الاعتدال المحمود بين طرفي نقيض. يقول الشاطبي في وسطية التشريع:" الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة ولا انحلال، بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال.." ولذلك مثلا كان "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال".
    إن التوازن – فيما يرى عماد الدين خليل- هو أكثر الملامح الأساسية أهمية في التصور الإسلامي للحضارة.  وإن التعبير القرآني عن هذه الحالة الشاملة من التوازن والعدل والخير والاستقامة على الصراط المستقيم والقيم  الحسنة.. بلفظ واحد، هو الوسط.. لهو تعبير معجز.
  حاجتنا إلى الوسطية:
      حافظت الوسطية على استمرار المجتمع المسلم وحفظته من مخاطر عدّة طيلة تاريخه. فقد عرف هذا المجتمع أنواعا منوّعة من الغلو في الدين والغلو عنه، يكفي أن تراجع كتب الفرق والمقالات، كالملل والنحل للشهرستاني، لتدرك ذلك. لكن المسيرة الوسطية للأمة استمرت، بينما انقرضت أكثر مذاهب  الغلو وصوره.
     واليوم أيضا، نحتاج إلى منهج الوسطية، خاصة مع كثرة أشكال الانحراف عن الصراط المستقيم وتعددها، وعلوّ صوتها. وفي ذلك خير للأمة، بل وللبشرية أيضا. جاء في توصيات "مؤتمر: نحو إسهام عربي إسلامي في الحضارة الإنسانية المعاصرة" الذي نظمه  منتدى الوسطية للفكر والثقافة: " 3- أهمية تبني الفكر الوسطي المعتدل باعتباره اللبنة الأساسية في الحضارة الإسلامية، التي كان لها الأثر الكبير في تقدم الإنسانية، في شتى المجالات المعرفية، ولأن إحياء هذا الفكر سوف يخدم حاضر المسلمين ومستقبلهم، ويزيل الحواجز والعوائق المصطنعة التي تفصل بين المسلمين وغيرهم.."
     إن عالمنا العربي- الإسلامي يعاني من تحديات عدّة، بعضها يتعلق بمشكلات الغلو في الدين، وبعضها يخص قضايا التنمية وبناء الدولة والعلاقات مع الآخر، ومنها ما يتعلق بالتعليم والتربية والأخلاق.. وهذه المشكلات مترابطة فيما بينها، ويؤثر بعضها في بعض، حتى لكأنها مظاهر لمشكلة واحدة. لذلك ما لم نرسخ في حياة الأمة سبيل الوسطية الإسلامية، وما لم نجتمع على ذلك ونعترف به ونعمل بمقتضاه.. فإن هذا العالم سيظل يتخبط في سيره، ولن ينجح في تخطي هذه المشكلات التي تعوق نهوضه وبناء نموذجه الحضاري.
 الوسطية علاج لجميع أنواع التطرف:
      لو أخذنا التطرف نموذجا ومثالا لمشكلات الأمة، فسنجد أننا نعاني من نوعين منه: التطرف الإسلامي، أعني الذي يرفع شعار الإسلام؛ والتطرف العلماني، وهو المصرّ على إزاحة الدين من الحياة وبناء مجتمع لا علاقة له بالإسلام إلا في أضيق الحدود، وهي حدود العبادات والشعائر في الغالب. ويعاني عالمنا العربي أيضا من انتشار الانحلال على المستويين الفكري والأخلاقي، وهو نوع من التطرف العلماني كذلك. يقول الصادق المهدي  - رئيس المنتدى العالمي للوسطية- : "أوربا قامت نهضتها بالتأكيد على تراثها القديم، وهو ما لم نقم به في مواجهة تراثنا، فظهرت مدرستان في المجتمع الإسلامي: الأولى تدعو للانكفاء وتساوي بين التفكير والتكفير، في حين أن المدرسة الثانية هي مدرسة الاستلاب التي آمنت بكل ما هو غربي وتنكر بعض نصوص القرآن إرضاء للغرب ونزعاته، وهو ما يجعلنا في حاجة لمدرسة وسطية تؤمن بالمفهوم الحميد للأصولية في مجال العقائد مع إعمال العقل وأدواته في أبواب المعاملات."
    إن الوسطية الإسلامية هي الحل، وهي نافعة لمعالجة التطرفين معا، وردّهما إلى سواء السبيل. قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.)

هناك تعليق واحد: