الأحد، 1 يوليو 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (6): لمحة عن الدير البنديكتي. إعداد أعشاري نزيهة.


هذه نبذة مختصرة في التعريف بنظام الأديرة وأسباب ظهورها.. من خلال نموذج بنيدكتوس. وقد أعدتها أعشاري نزيهة.

 
 لمحة عن الدير البنديكتي
مقدمة:
لأسباب متعلقة بالمسيح وغيرها ظهرت الرهبنة في الديانة المسيحية التي تتجلى مظاهرها في الاعتكاف والزهد والتقشف والفقر وتعذيب الأبدان بالجوع والعطش وخشن اللباس وعدم الزواج...إلى غيرها من المظاهر التي يقوم بها الراهب، هذا الراهب الذي يجب أن تتوفر فيه عدة شروط، من بينها: «الاختبار وكثرة التجارب حتى يرقى إلى المستوى المطلوب، ويرقد على ظهره أمام الهيكل ويصلي الرهبان عليه صلاة خاصة تحيل أن هذا الرجل مات وترك العالم»[1].
وقد نشأ نظام الرهبة أول الأمر في مصر، وقد كانت الرهبة في البداية شكلا منفردا، حيث هرب الرهبان إلى الجبال وأخذوا في العبادة والتأمل مع المحافظة على الوحدة والتفرد والانعزال. وبمرور الوقت كثر عدد الراغبين في الترهب ومالوا نحو الاجتماع والمعاشرة، فبنوا صوامع متجاورة وبعد ذلك أسوارا عالية تضم عددا من الصوامع، فنشأ بذلك الدير وكثرت الأديار، ويعتبر الدير البنديكتي أشهر هذه الأديرة.
فمن هو بنديكتوس؟ وعلى ماذا يقوم ديره حتى أخذ هذه الشهرة الواسعة؟
أولا: القديس بنديكت St-Benedict
ولد بنيديكت في أسرة لها مكانتها عام 480م، في قرية نورسيا بايطاليا، ثم تلقى دراسته الأولى في روما «ونظرا لاحتقاره الدراسات الأدبية في تلك المدينة، قرر بان يكون راهبا، فرحل عن روما ولجا في أول الأمر إلى كهف في سوبياكو سنة 500م، وعاش فيه حياة قاسية تشبه حياة الحيوانات البرية، حتى حسبه الرعاة وحشا غريبا[2]، وفيما بعد اختير القديس بنديكت كرئيس لدير مجاور للكهف الذي كان يعيش فيه، لكنه ما لبث أن تركه، ليعود إلى كهفه حيث كانت البداية للنظام البندكتي الديري، وبدأ المريدون يتوافدون على هذا الكهف ليصنفهم بنديكت إلى جماعات صغيرة تتألف كل منها من اثني  عشر راهبا يترأسهم رئيس.
وفي سنة 520م انتقل بنديكت وأتباعه إلى هضبة تدعى مونت كاسينو، حيث أسس ديرا أطلق عليه اسم هذه الهضبة، فعرف باسم دير مونت كاسينو، وكان ذلك سنة 529م»[3]
       ويقوم الدير البندكتي على أربع قواعد هي:
ü     التبادل: أي يعني عدم الزواج فلا يحق للمنتهي إلى الدير بالزواج.
ü     الطهارة بمعنى العفة نكران الذات والاستعداد لخدمة الأخر والتضحية من أجله.
ü     الطاعة العمياء لرئيس الدير والانصياع لأوامره واجتناب نواهيه بدون نقاش.[4]
ثانيا:  قوانين الدير البنديكتي:
يصنع الدير البنديكتي عدة قوانين يجب على الراهب احترامها و تنفيذها، و نظرا لصرامتها و جديتها فقد اعتبرها البعض زائدة عن حدها و نعتها بالتزمت وهي:
1.    عند ولوج المتقدم للرهبنة الدير يجب عليه أن يقدم كل ما يملك إما للفقراء أو إلى رصيد الدير.
2.    لا  يسمح لراهب بمغادرة الدير إلا لظروف استثنائية و ذلك بعد موافقة مقدم الدير
3.    تقسم واجبات الراهبات خلال أربع و عشرون ساعة على الشكل التالي:
ü     أربع ساعات للصلاة العامة.
ü     أربع ساعات للصلاة الفردية والقراءات الخاصة للكتاب المقدس، وهذا يبين  أن الراهب يجب أن يتوفر شرط التعليم و ألا يكون أميا.
ü    ستة ساعات لنسخ المخطوطات.
ü     عشر ساعات للنوم و الأكل.  
4.       لا يحق للراهب امتلاك أي شيء ولو كان بسيطا؛ مثل "قلم"، ذلك أن كل ما في الدير هو ملك لجميع الرهبان.
5.       ينتخب رئيس الدير من طرف الرهبان مدى الحياة، و يكون مسئولا أمام الله عنهم و عن الدير و عن قواعده، كما يتوجب عليم استشارة الرهبان في كل ما يتعلق بالدير، و الأخذ بآرائهم، كما له الحق في منحهم المناصب أو العكس؛ ينزع المناصب من الراهب و تعيين بدلا منه.
6.       يطيع الراهب مقدم الدير طاعة عمياء، و يتكلف بعدة أعمال مثل (ما يقوم بتأديته يدويا في الحقل أو في الحديقة أو المطبخ) [5]
7.       تنحصر عطلة نهاية الأسبوع للراهب في يوح الأحد فقط، ويجب أن يقضيها في الصلاة والقراءة.
8.       يسمح للرهبان بتناول قدر محدود من الخمر ويحق لهم بزيادة هذه الكمية إذا بذلوا مجهودا أكبرا، ولكنهم يمنعون من أكل الحم إلا في حالات المرض.
9.       "يتوجب على الراهب ارتداء رداء ريفي خشن بقلنسوته وتحته قباء من الصوف"[6] [7].
ثالثا: الدور الحضاري للأديرة البنديكتية في العصور الوسطى.
لقد لعبت الأديرة البنديكتية دورا هاما في الحياة الثقافية، إذ شكلت مراكز ثقافية مهمة حيث أفرزت كتابا ومفكرين ومؤلفين، أنتجوا مجموعة من الأعمال الأدبية والكتابات في مجالات محددة، كما لعبت هذه الأديرة كذلك دروا تعليميا من خلال تأسيسها لمجموعة من المدارس الأسقفية، خاصة ,إن انهيار الدولة الرومانية في الغرب إلى اختفاء مدارس الدولة، "وكانت كتابات الرهبان تشكل المصدر الأساسي عن تاريخ العصور الوسطى، حيث كانوا يؤرخون باليوم والتاريخ، ويسردون أدق التفاصيل التي حصلت"[8]، ولن ننسى الدور والكبير الذي لعبته هذه الأديرة كذلك في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث قام الرهبان بالتخفيف من معاناة المجتمع الأوروبي، نظرا للمآسي والثورات التي تعرض لها، حيث اهتموا بالفقراء والمساكين وتوزيع الصدقات، كما تم إنشاء ملاجئ تواسي المنكوبين والفلاحين المعدومين والمرضى والجرحى، كما عملوا على تجفيف المستنقعات واستصلاح الأراضي الفلاحية والغابات. قد نقل الرهبان التقاليد الرومانية المتعلقة بالزراعة وأصناف كثيرة من التفاح والكرمة...كما مارسوا العديد من الصناعات اليدوية. أما الدور الديني للدير البندكتي الأساسي، فقد تمثل في حركة التبشير بالديانة المسيحية والتشجيع على الدخول إليها وذلك في القرن الثامن م"[9].
رابعا: ضعف البنديكتية والحركات الإصلاحية
شكلت وفاة شارلمان سنة 841م، سببا أساسيا في ضعف الكنيسة لأنه كان حاميها، مما فتح المجال للكثير من الانتهاكات للقواعد التي وضعها بنديكت، مثل:
1-"السيمونية: وهي شراء المناصب الدينية  بالأموال من قبل الرجال العلمانيين.
2- زواج رجال الدين بعد أن كان هذا محذورا عليهم.
3- التقليد العلماني: وهو فصل الدين عن السلطة، حيث غيب دور البابا في تعيين رجال الدين، وأصبح هذا من تخصص العلمانيين"[10].
ونظرا للفساد الذي عم في الأديرة، ظهرت بوادر إصلاحية، حاولت السيطرة على الموقف، وتعتبر الحركة الكولونية أول حركة إصلاح ظهرت، والتي نبعت من "دير كولوني" في "بورجندية"، غير أن هذه الأديرة الكولونية تختلف عن الأديرة البندكتية في نقطتين أساسيتين وهما:
1- "الأديرة الكولونية جميعها كانت تتبع مقدم دير كولوني، وتخضع له مباشرة
2-  الأديرة الكولونية نجحت في تحرير نفسها وسيطرة الأساقفة والأمراء الإقطاعيين"[11].
غير أن هذه الأديرة لم تصمد طويلا، وأخذ الفساد يتخللها هي الأخرى، مما سمح لحرمات أخرى بالظهور كحركة الكارتوزيان (الكارتوثيان) والسيسترشان، هاتين الحركتين اللتين انحلتا بدورهما، لتظهر حركات جديدة مثل: الفرانسيسكان، والدومينيكان، وكلها طالبت بالعودة إلى تعاليم ونظام بندكت.
خاتمة:
تميز الدير البندكتي عموما بنجاحه وصموده، وذلك نظرا للنظام الذي تباه والذي امتزجت فيه القوة والفطنة والحصافة، فكان يدعو عموما إلى الجدية الكاملة والإخلاص التام حتى عد هذا الدير حاضرة الديرية الغربية.
لكن هذا الدير لم يسلم من الانحلال والفساد، فعدا الغنى الذي عرفته الديرية البندكتية، رأى الراهبون أنه لا حاجة للاهتمام بشكل كبير بالفلاحة والعمل المتواصل، فأوكلوا هذه المهام إلى  عامة الناس تحت إشرافهم، وبقوا بلا جهد ولا عمل، وترتب عن هذا الخمول والفساد في الأديرة البندكتية، مما أدى بالناس إلى المطالبة بالإصلاح الديري بكل الطرق والوسائل.



-  مقارنة الأديان -2-، المسيحية، أحمد شلبي، الطبعة الثالثة، 1967، مكتبة النهضة المصرية، ص 207[1]

- تاريخ العالم: نشرة بالانجليزية السيرجون هامرتن، المجلد الرابع، ترجمة: قسم الترجمة بوزارة التربية والتعليم، ص 297، بتصرف.[2]
- نفسه، ونفس الصفحة.[3]
- الموقع الالكتروني، بتصرف.[4]
5 - تاريخ العالم، لها مارتن، المجلد الرابع، ص 298
- نفسه، ونفس الصفحة..[6]
 - الموقع الالكتروني بتصرف.[7]
- نفسه وبتصرف.[8]
 - الموقع الالكتروني بتصرف.[9]
- نفسه.[10]
- نفسه.[11]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق