الأربعاء، 11 يوليو 2012

مادة الثقافة الإسلامية ودورها في تعزيز قيم الوسطية بين الطلاب (5).

الثقافة الإسلامية، وقيم  التربية والوسطية
تأليف: إلياس بلكا
  إن تحقيق الوسطية في مجتمعاتنا عمل كبير يشمل كل مجالات الحياة. ولاشك أن حقل التربية والتعليم منها، لكنني أزعم أنه من أشدها أهمية وأخطرها أثرا. لذلك فمن أكبر الحلول لمشكلة التطرف: توفير الثقافة الدينية الصحيحة لجميع المواطنين، خاصة مع فشو الجهل بالدين حتى بين صفوف الطلاب الجامعيين.
     الثقافة الإسلامية بمرحلة الماستر الجامعية:
      نظام الجامعة ينقسم إلى تعليم أساسي بالباكالوريوس أو الإجازة، وإلى تعليم تخصصي عال بالماستر والدكتوراه. وأعني بالماستر هنا نوعين: الأول ماستر خاص بالثقافة الإسلامية، وفي بعض البلدان العربية يسمى: ماستر الدراسات الإسلامية، أو ماستر الفكر الإسلامي.. وفي جميعها يدرس الطالب في الغالب أربعة فصول، ثم يتوج ذلك بإعداد بحث علمي. وتستمر هذه الدراسة ما بين سنة ونصف إلى ثلاث سنوات، بحسب نظام البلد أو الجامعة. وهذه دراسة مهمة، لها طبيعتها ومشكلاتها.. لكنني لن أتطرق إلى هذه المرحلة الأكاديمية من الثقافة الإسلامية. فهذا موضوع يحتاج لدراسة مفردة.
   وأقصد بالنوع الثاني جميع أنواع الماستر سوى الخاص بالمجال الإسلامي. وذلك كأنواع الماستر  في علوم الاقتصاد والإدارة والعلاقات الدولية والاجتماع والدراسات النفسية والتربوية.. بل أقصد حتى ماستر الرياضيات والفيزياء والطب وعلوم الأرض والأحياء.. أي عمليا جميع أنواع الماستر.  فهذه جميعا تحتاج إلى تضمين برامجها تدريس الثقافة الإسلامية.
      وهذا لغرضين: الأول: لربط التخصص بالمذهبية الإسلامية الشاملة للإنسان والكون والحياة. والثاني لأن المطلوب من مرحلة الماستر التهييء  لتحقيق إبداع علمي بخلفية عربية-إسلامية. وكلا الهدفين لن يتحققا ما لم تواكب الثقافة الإسلامية دراسات الماستر. مثلا في ماستر علوم تجريبية ورياضية: يتم التركيز على تاريخ العلوم عند المسلمين وأعلامهم ومنجزاتهم.
     وينبغي أيضا تعريف الطالب بمشكلات التخصص عند ممارستها في الواقع الإسلامي، وبالنظريات الموجودة، مثل: التأصيل العلمي للعلوم. أسلمة المعرفة. نقد أسلمة المعرفة. علم نفس إسلامي. الطب في بيئة إسلامية. الاقتصاد المالي في الإسلام.. تقول الأستاذة الجوهرة: " مصطلح التأصيل العلمي.. يعني في أبسط معانيه الاستفادة من معطيات العصر انطلاقا من كتاب الله وسنه حبيبه المصطفى. وهذا الكلام ينفي تهمة الانغلاق، كما ينفي تهمة التبعية وضياع الهوية عن الجامعة.."
     ويستفيد الطالب أيضا من المادة: اتساع الأفق، واكتساب ثقافة دينية واجتماعية وحضارية هو في أمس الحاجة إليها. ذلك لأن من أكبر سلبيات التخصص في عالم اليوم الذي يعرف انفجارا معرفيا واسعا هو ضيق مجال التخصص، بحيث يتخرج المتخرج وهو على اطلاع واسع على حقل تخصصه، لكنه بالمقابل يجهل كل شيء تقريبا عن العالم. وقديما أوصى القاضي أبو بكر بن العربي الطلاب بتنويع معارفهم وعدم الاقتصار على دراسة علم واحد يصرفون فيه أعمارهم، ومما قال: "ولا يفرد نفسه ببعض العلوم، فيكون إنسانا في الذي يعلم، بهيمة في الذي لا يعلم. ولاسيما من أقام عمره حاسبا أو نحويا فقد هلك، فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء فشحذ الآلة عمره، ثم مات قبل عمل صنعته، ولا يصغ إلى من يقول له: تكون مقصرا في كل علم إذا فعلت هذا، والأولى لك أن تقف نفسك على علم واحد، فإنه قول جاهل بالعلم، إذا أخذ نفسه بهذا القانون الذي رسمناه سيعتمد على ما يراه أوكد، ويجعل الباقي تبعا."
      القضايا العلمية في تدريس المادة بالإجازة:
      ومنها ما يتعلق بالأهداف والغايات، ومنها ما يتعلق بالبرامج والمقررات، ومنها ما يتعلق بالكتب والمؤلفات. وأتصور أن تدريس الثقافة الإسلامية في هذه المرحلة ينبغي أن يحقق الأهداف الآتية:
   1-الهدف المعرفي:
   أ-توفير الحد  الأدنى من المعرفة العلمية بالإسلام، بحيث يعرف الطالب أهم ما ينبغي له معرفته من شرائع الإسلام، وأخلاقه، ومذهبيته الشاملة للكون والحياة والإنسان.
   ب-التعرّف على العلوم الشرعية التي أسستها الأمة لخدمة دينها، وأهمها: التوحيد، وعلوم القرآن والحديث، والفقه وأصوله..
  ج-الوعي بالعطاء الحضاري الإسلامي في مختلف المجالات، من علوم وفنون وآداب وصناعات وحرف وعمارة وتمدين..
 د-معرفة الطلاب لتاريخهم في أهم أحداثه، بما فيه من أوقات الانتصار والبناء.. ولحظات الهبوط والانحدار. ويجب –من جهة أخرى- توعيتهم بطبيعة العالم الذي نعيش فيه وكيفية تشكلّه، وبموقع الأمة في هذا العالم الجديد، وبالتحديات التي تواجهها، وكذا بعوائقها الداخلية ومشكلاتها الذاتية.
   2-الهدف التربوي:
-       ترسيخ  العقيدة الصحيحة في نفوس الطلاب، وتربيتهم على مقتضيات التوحيد الروحية والعملية.
-       اكتساب الأخلاق والقيم الإسلامية، بما فيها التواضع والفضول العلمي والتسامح والتعاون ..
   3-الهدف الفكري،
أي بتنمية مهارات فكرية متطورة، وفي الوقت نفسه منضبطة بقواطع الدين. لذلك يتفرع هذا الهدف إلى اثنين:
-       تعويد الطالب على التفكير ضمن الإطار الإسلامي، وإكسابه القدرة على تشخيص المشكلات وحلّها ضمن هذا الإطار، بحيث يتوقف الفصام النكد بين الدين والدنيا، أو بين معتقد الطالب الإسلامي وواقعه العصري. 
-        تربية ملكات النقد والموضوعية والمقارنة والسؤال..
     المهارات الفكرية المطلوب تطويرها:
     يقول الهواري: " تعتمد نظم التعليم في معظم الأقطار العربية على التلقين والتكرار والحفظ، وعلى حشو ذهن الطالب طوال مختلف المراحل الدراسية بمعلومات، دون إعمال للعقل ودون تحليل أو نقد. ومثل هذه النظم تفرز طالبا يتقبل بسهولة كل ما تمليه عليه سلطة المعلم دون نقاش، وبذلك يصبح من السهل جدا على مثل هذا الطالب أن يتقبل كل ما تمليه عليه سلطة أمير الجماعة دون تحليل أو نقد أو معارضة، ويكون عرضة للانخراط في أية جماعة أيا كان توجهها، حيث يتم تلقين الفكر وتقبله دون تحليل، ويسهل الانقياد بفعل إبطال عمل العقل." ويقول  المستعرب الإسباني الكبير ريبيرا عن أساتذة الأندلس: "نعرف أن الأساتذة كانوا يستخدمون الوسائل الذكية واللطيفة كي يحببوا طلابهم في الدرس، ويثيروا فيهم روح المنافسة، ويحركوا فيهم عوامل الفهم والفكر والاستنباط، ويسهلوا لهم التعليم." وهذه بعض المهارات المطلوبة:
1-             المرونة والنسبية:  في الإسلام قواعد كثيرة ثابتة، لا تختلف ولا تتفاوت، كأصول العقائد والأخلاق. لكنه يقرّ أيضا بحركة التغيير، ويدعو لعدم الجمود على موقف واحد ورأي واحد في جميع الظروف المكانية والزمانية.. حتى إن الأصوليين والفقهاء يتحدثون مثلا عن "فقه الواقع وأثره في الاجتهاد."
2-             النقد: تعرّف وفاء الزاغة في كتابها  "التفكير الخرافي"  التفكير الناقد بأنه " التفكير الذي يؤجل التسليم بالاستنتاجات أو الآراء والأحكام، ولا ينقاد للاعتقادات المتواترة الشائعة، أو المقولات المتداولة بين الناس، إلا بعد فحصها واختبار صحتها. ويحرص المفكر الناقد على العودة إلى مصادرها الحقيقية والتأكد من مدى صحتها." وقد علّم الإسلام الإنسان عدم تقبل شيء إلا بدليله، كما هو بيّن في الكتاب العزيز. وكان علم الحديث من أهم العلوم التي  أسهمت في تكوين العقلية العلمية لدى المسلم، فحفظته من الفوضى والخرافة ومحض التقليد.
3-  التسامح: وذلك يتأتى بتعويد الطالب احترام الآخر، وتفهم وجهة نظره، وبتوعيته باتساع العلوم وتلاطم أمواجه..
4-الحوار: ويكفي لإدراك أهمية اعتياد التحاور مع الآخر والتحلي بآداب الحوار.. أن نفتح القرآن الكريم، فهو ملئ بالحوار في ظروف شتى وبين أطراف متنوعة. والعلاقة بين الحوار والوسطية واضحة، فالمتطرف شخص يعتقد نفسه على الحق المطلق، فلا يحاور ولا يقبل أن يحاور، وإذا فعل لا يعرف آداب الجدل ولا يلتزم بها.
        كتب الثقافة الإسلامية:
     وقد حاول مجموعة من المؤلفين تغطية النقص في مجال الكتابة في الثقافة الإسلامية، فألفوا كتبا حرصوا على أن تكون شاملة لأهم المعارف المتعلقة بالإسلام. وبعض هذه الكتب مقرر في بعض الجامعات، كما أن عددا من أساتذة المادة يعتمدون عليها في محاضراتهم. منها: لمحات في الثقافة الإسلامية، لعمر عودة الخطيب. وأساسيات الثقافة الإسلامية، للصادق الغرياني. والثقافة الإسلامية لمجموعة من المؤلفين بالأردن.
       ويمكن القول: إن أهم القضايا المطلوب دراستها وتدريسها في الثقافة الإسلامية.. متوافرة في هذه المناهج والكتب. بيد أن لي بعض الملاحظات والاقتراحات والانتقادات التي أوردها لتطوير برامج الثقافة الإسلامية والسير بها قدما. وأكثر ذلك ينحصر في  أمرين:
      الأول- مجموعة من العلوم أو المواد الغائبة عن البرامج المقررة، أو التي لم تقع عناية خاصة بها. ومن أهمها ما يلي:
1-             السيرة النبوية. وغير خاف أن حياة النبي العظيم هي أفضل نموذج تطبيقي لمثل الإسلام، كما أن اطلاع الطالب عليها  يزيده ارتباطا بالدين ورسوله.
2-             الحضارة الإسلامية: أسسها ومظاهرها ومجالاتها. لا أقصد بهذا الجانب النظري المعبّر عنه بـ"فلسفة الحضارة"، بل النواحي العملية في حضارتنا، أي كيف ترجم المسلمون قيم الإسلام في حياتهم اليومية ومؤسساتهم.
3-             التاريخ الإسلامي. ولست أدري يقينا لم تواردت كثير من المقررات والكتب على إهمال هذا الحقل. إنه لمن المفيد جدا للطالب أن يطلع اطلاعا عاما على تاريخ أمته.
4-             علم السلوك والتربية.
    الثاني- قضايا طوّرها علماؤنا المعاصرون لا تشكل علوما مستقلة، لكنها موضوعات رئيسة وذات أهمية خاصة اليوم، منها:
1-              فقه السنن الكونية.
2-             الإسلام والعلم: الموقف العام. نظريات المعرفة في ضوء القرآن. الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. خطر التقنية، وتوجيه الإسلام للعلم.
3-             فقه الأولويات والموازنات والمقاصد العامة للشريعة.
4-             حقوق الإنسان بما فيها ما يسمى بحقوق الجيل الثالث، وهي حقوق ثقافية أساسا. وكذا حقوق الشعوب، كاحترام الأديان.
5-             نظريات الإصلاح والنهضة: منذ ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب إلى الأفغاني وعبده وابن باديس والكواكبي.. وكيف عالجوا مشكلات انحطاط المسلمين.
6-             قضية المرأة والأسرة والطفولة.
7-             مشكلات الاجتهاد والفتوى.
8-             الغلو والتطرف الديني.
9-             أعلام الأمة: من الملاحظ أيضا غياب التعريف بنخبة من كبار الأمة، رغم ما في ذلك من ربط الطلاب بقمم شامخة في العلم والعمل، يستفيدون كثيرا من الاقتداء بها. وجميع الأمم تحرص على طبع أذهان أبنائها بصور من حياة عظمائها وأعمالهم.
10-       المجتمع المدني ومؤسساته. لقد حرص الإسلام أن يكون المجتمع أقوى من الدولة وأرسخ، فالأمة هي الأصل، حتى لو ضعفت الدولة أو انهارت، لأي ظرف من ظروف الزمان، استمر المجتمع قائما وحيّا وفاعلا.
11-       الإعلام ووسائله.
12-       ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين. وماذا يمكن للإسلام أن يقدم للعالم اليوم، فنجيب عن سؤال: لماذا تحتاج البشرية إلى الإسلام؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق