الأحد، 15 يوليو 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية وفكرها (9):العبادات في المسيحية. إنجاز: رجاء عثماني.

ما معنى التعميد والعشاء الرباني.. وما شكل الصيام والصلاة عند المسيحيين..؟
العبادات في المسيحية
من انجاز :   رجاء عثماني                                  
مقدمة :
إن  المسيحية كديانة توحيدية جاءت للدعوة إلى عبادة إلاه واحد لا شريك له وتقررأن المسيح إنسان مثل باقي الرسل بعثه الله تعالى برسالة جديدة لتقويم بني إسرائيل بعدما زاغوا عن طريق الحق وغاصوا في الرذيلة وابتعدوا عن الإيمان.. قبل أن يقع تحريفها وإدخال الوثنية فيها.
والديانة المسيحية كباقي الديانات الأخرى لها شعائر وعبادات يجب على المسيحي أن يقوم بها، ولكن الشخص على كل حال يعتبر مسيحيا قبل أن يقوم بها مادام قد اعتنق عقائد هذه الديانة، ويقول الأستاذ عمر عنايت : "إن هذه الشعائر نشأت من القسم الذي كان يحلفه الجندي الروماني قبل انخراطه في سلك الجيش، وأهم هذه الشعائر: التعميد والعشاء الرباني، وتقديس الصليب وحمله. وقد تأثرت طريقة أداء بعض هذه الشعائر بطريقة أداء القسم فكلما لزم أن يؤدي القسم في حضرة ممثل الجيش فان التعميد يلزم أن يؤدى بواسطة ممثل للكنيسة ويلزم كذلك أن يقدم الخبز والخمر في العشاء الرباني بواسطة آباء الكنيسة." وسنتكلم فيما يلي كلمة عن كل من الشعائر السالفة.
المطلب الأول: شعائر المسيحية.
1- التعميد:
 ويقال أيضا الاصطباغ وهو سر من أسرار النصرانية وهو يمحو عن الإنسان الخطيئة الأصلية وكل خطيئة فعلية ارتكبها، وبدونه لا يمكن لأحد أن ينال الخلاص، ولهذا كان النصارى الأقدمون يؤخرون التعميد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وعادة التعميد مأخوذة عن الهنود وهي قديمة جدا.
وكان التعميد موجودا قبل المسيحية عند الهنود إذ كان يحيى يعمد الناس في نهر الأردن، وقد قام بتعميد عيسى وتكاد تتفق كل الفرق المسيحية على ضرورته.
ولم يتفق المسيحيون على وقت التعميد كما لم تكن العادة في البدء تعميد الأطفال بل جرت بعدئذ وترى بعض الفرق عدم تعميد الأطفال حتى بلوغهم سن التميز وهناك آراء في ذلك:
أ - بعضهم يعمد الشخص في طفولته.

ب- والبعض يعمده في أي وقت من حياته.
ج- وبعضهم  يجري التعميد والشخص على فراش الموت بدعوى أن التعميد إزالة السيئات والتطهير من الذنوب فيحسن أن يتم حيث لن تحصل ذنوب بعده، وقد تم تعميد الملك قسطنطين وهو على فراش الموت[1].
 وأما طريقة التعميد فهي أن من يريد الدخول في النصرانية يؤتى به إلى غرفة خاصة في داخل الكنيسة ويضطجع موجها إلى المغرب و يرفع يديه قائلا: أيها الشيطان إني أتبرأ منك ومن جميع عملك ثم يتوجه إلى المشرق ويعلن الإيمان بالعقائد المسيحية ، ثم يؤتى به إلى غرفة أخرى، فيتعرى عن جميع ملابسه، ويقوم القسيس بإدهان جسمه بزيت رقي فيه بدعاء خاص، ثم يلقى في حوض الاصطباغ ويسأله القسيس:هل تؤمن بالأب والابن وروح القدس  بالتفاصيل المعروفة . فإذا أجاب بالاثبات يخرج من الحوض ويدهن مرة أخرى بالزيت ، ثم يقدم له لباس أبيض وهو إشارة إلى الخروج من جميع الذنوب. ويحق له بعد ذلك أن يشترك في العشاء الرباني ويعد من المؤمنين المخلصين بالمسيحية .[2]
2- العشاء الرباني: Eucharist
يطلق علية أيضا التناول وهو عادة أخذت عن الأديان السابقة للمسيحية ويرمز العشاء الرباني إلى عشاء عيسى الأخير مع تلاميذه إذ اقتسم معهم الخبز والنبيذ.
فالخبز يرمز إلى جسد المسيح الذي كسر لنجاة البشرية والنبيذ يرمز إلى دمه الذي سفك لهذا الغرض ويستعمل عادة قليل من الخبز مع قليل من الخمر فمن أكل هدا الخبز استحال الخبز إلى لحم المسيح ومن شرب هدا الخمر استحال الخمر إلى دمه فيحصل التمازج بين الآكل وبين المسيح وتعاليمه.
وهي عقيدة يقوم بها المسيحيون يوم الفصح إلا أن مسائله لا أصل لها في الأناجيل المعروفة. كما جاء في رسالة بولس لأهل كورنتوس[3] عن العشاء الرباني ما يلي: "إن الرب اليسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزا، وشكر، فكسر، وقال :خذوا وكلوا ، هذا هو جسدي المكسور لأجلكم،اصنعوا هذا لذكري، وكذلك أعطاهم قليلا من الخمر، وقال: خذوا واشربوا هذا هو دمي المسفوك لأجلكم وأنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذا الكأس تخبرون بموت الرب حتى يعود."
   وجاء في إنجيل يوحنا قول عيسى: والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم، ومن يأكل جسدي ويشرب دمي فلا حياة أبدية يتبت في وأنا فيه فمن يأكلني فهو يحيا بي.
 وقد قرر مجمع تزنت المنعقد عام 1545م و1563 بإيجاب هذه العبادة، فالناس يجتمعون يوم الأحد، ويستمعون إلى خطبة القسيس، ثم يقدم كل منهم حسب استطاعته هدية إلى القسيس، ثم يأكلون الخبز ويشربون الخمر بعد أن يسجدوا، ظنا منهم بأن المسيح موجود في هذا العشاء الرباني. وعلى من يحضر العشاء الرباني أن يصوم من نصف الليل.
3- تقديس الصليب وحمله:
إن تقديس الصليب عند المسيحيين سبق صلب المسيح نفسه، يقول لوقا في إنجيله: "يقول المسيح إن أراد واحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني"[4]  ومعنى هذا أن تقديس الصليب عند المسيحيين سابق لعملية الصلب، ومعنى حمل الصليب هو الاستهانة بالحياة والاستعداد للموت بأبشع صورة .
وقويت فكرة تقديس الصليب بعد "صلب" عيسى فأصبح أداة تذكر المسيحيين بالتضحية الضخمة التي قام بها المسيح من أجل البشر.
ومن الواضح أن هناك علاقة بين تقديس الصليب عند المسيحيين وبين النظم الرومانية التي كانت تجعل حمل الصليب دليلا على صدور الحكم بالإعدام صلبا، فحمل المسيحيون الصليب استعدادا لهذه الحالة، ويقول لوقا في ذلك:<<إن التعبير بحمل الصليب مستعار من العادة التي قضت بها الأنظمة الرومانية على المحكوم عليه بالصلب أن يحمله  كل يوم>>.
وهناك اعتقادات أخرى في الديانة المسيحية وهذه المعتقدات التالية غالبا يؤمن بها طائفة الكاثوليك وقد خالفهم في بعضها البروتستانت كما خالفهم في بعض آخر آباء النصرانية.
4- الاعتراف :
  وهو أن يبوح الإنسان لقسيس بما فعل من آثام، ثم يظهر له الندم ويؤكد له عدم العود إليها فيقبل القسيس منه ذلك ويدعو له بخير ويصدر له صك الغفران. وهذه العقيدة لم تكن معروفة في أوائل النصرانية ثم جعلت إجباريا في مجمع الثاني عشر سنة 1215م وتقرر فيه أن الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن يشاء.
الإعتراف عقيدة لا ينكرها إلا طائفة البروتستانت ودحضها بعض آباء النصرانية، وقالوا إن الاعتراف السري بالخطايا يكون لله وحده وليس للبشر، ويعتقدون أنه سر التوبة ويلزم أن يكون الاعتراف أمام الكاهن وأن يكون الاعتراف كاملا وواضحا للحصول على غفران الخطايا[5].
5- المطهر والغفرانات:
يعتقد الكاثوليك أن المطهر عبارة عن مكان في قلب الأرض قريبا من جهنم تحترق فيه الأنفس التي ارتكبت في حياتها ذنوبا خفيفة. ويدوم عذابها هذا حتى تتطهر من أوزارها وتصبح أهلا للدخول في الفردوس السماوي. وكان هذا الاعتقاد من أسباب انسلاخ البروتستانت عن الكاثوليك. و تذهب الكاثوليكية إلى أن صلوات وقداديس كهنتها تقي عن ذنوب الأنفس المتألمة في المطهر وتصعدها إلى المجد السماوي ، وعلى هذا الأساس نشأت عقيدة الغفران وأنشأ (البابا بونيفاسيوس الثامن) متجرا للغفرانات وفوض الأموال الحاصلة إلى رهبانية (الاوغسطنطنين) ولما تولى (لادن العاشر) زمان البابوية نزعها من أولئك وفوضها إلى رهبانية (الدومينيكيين ) فشق (مارتن لوتر) عصا الطاعة غيرة على رهبانيته وأثار في العالم المسيحي عاصفة الإصلاح .
وكان البابا إذا أراد جمع المال لعمل ما أمر بطبع صكوك الغفران ووزعها على أتباعه ليبيعها للناس، وبها يغفر لمشتريها ما تقدم من ذنبه وما تأخر.[6]
المطلب الثاني: العبادات.
أما العبادات فأهمها عند المسيحيين هي الصوم والصلاة وتحديدها غير متفق عليه، ويرى الكثير من المسيحيين أن الانتظام في الصوم والصلاة توجيه اختياري وليس إجباري.
1-الصيـام:
فالصوم هو الامتناع عن الطعام من الصباح حتى منتصف النهار ثم تناول طعام خال من الدسم ويشمل الصوم عند المسيحيين:
1- صوم يوم الأربعاء وهو يوم المؤامرة التي انتهت "بالقبض" على عيسى.

2- صوم يوم الجمعة الذي "صلب" فيه عيسى المسيح.

3- صوم يوم الميلاد وعدد أيامه 43 يوما تنتهي بعيد الميلاد.
4- الصوم المقدس وعدد أيامه 55 يوما وهي الأيام الأربعون التي صامها المسيح، مضافا عليها أسبوع الاستعداد والتهيئة للصوم الأربعين المقدس ثم أسبوع بعده وينتهي بأحد القيامة، ويمتنع في هذا الصوم أكل حيوان أو ما يتولد منه أو ما يستخرج من أصله ويقتصر الصائم على أكل البقول ولا يعقد في أثنائه سر الزواج .
5- صيام الرسل وعدد أيامه تزيد وتنقص حسب الطوائف وتتراوح مدته بين 15و49 يوما. صوم العذراء ومدته 15 يوما تبتدئ من شهر(مسري)[7].
ويقول المسيح في" إنجيل متى" وعندما تصومون لا تكونوا عابسي الوجوه كما يفعل المراؤون الذين يقبضون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد نالوا مكافئتهم. أما أنت فعندما تصوم، فاغسل وجهك وعطر رأسك، لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء وأبوك الذي هو يرى في الخفاء هو يكافئك[8].
ويرى البعض انه لا يوجد صيام دوري على النصراني بل يصوم الإنسان وقت الحاجة للصيام ويعتبر كل صيام محدد بدعة غير مشروعة[9].
 2- الصــلاة:
 أما الصلاة فهي أهم أركان الدين لأنها تقربهم إلى الله عن طريق المسيح. فهم يرددون كل يوم صلاة تدعى الصلاة الربانية وهي التي علمها الرب تلاميذه وهي ثلاث أقسام:
دعاء وطلبات وتمجيد... كما ورد في إنجيل متى.[10]
فالدعاء هو: "أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك على الأرض كما هي في السماء! خبزنا كفافنا أعطنا اليوم! واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن للمذنبين إلينا ! ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين".
ينبهنا إلى أننا أولاد الله وإخوة في الأرض التي نعمرها وأن السماء هي وطننا الحقيقي الذي يجب أن نرقيه في الصلاة.
والطلبات وهي قسمان: ثلاث منها تختص باسم الله وملكوته ومشيئته وثلاث منها باحتياجات الإنسان الزمنية والروحية.
والتمجيد هو القول: " لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد...آمين".
وتؤدى الصلاة كل يوم وليس عليهم عدد معين من الصلاة يوميا، وليس لها مواقيت معلومة ويستحسن الإكثار منها. وهي سبعة يؤديها المصلي في اليوم والليلة وهي:
1- صلاة البكور. 2- صلاة الساعة الثالثة. 3- صلاة الساعة السادسة .4- صلاة الساعة التاسعة. 5- صلا الساعة الحادية عشر. 6- صلاة منتصف الليل. 7- صلاة الثانية عشر.
وللصلاة عندهم شرطان فقط وهما:
1- أن تقدم الصلاة باسم المسيح لأنه الواسطة عندهم وهذا أصرح ما يكون في عبادتهم له.
2- أن يتقدم الصلاة الإيمان الكامل بما في ديانتهم من التثليث وغيره .
والصلاة أنواع منها صلاة فرضية سرية وصلاة عائلية في البيت ومنها الصلاة العامة في الكنيسة وأهمها صلاة يوم الأحد حيت يقرأ الكاهن منهم شيئا من المزامير أو الكتاب المقدس والجميع وقوف يستمعون وعند نهاية كل مقطع يدعون. [11]


1- الإنجيل كتاب الحياة الطبعة الثامنة .
2- العميد عبد الرزاق محمد أسود ، المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب . المجلد الأول الطبعة الأولى 1981 دار العربية للموسوعات .
3- د. محمد ضياء الرحمان الاعظمي دراسات في الأديان اليهودية والمسيحية وأديان الهند مكتبة الرشد ناشرون الطبعة الثانية 1424 هــ و 2003 م .
4- أحمد شلبي ، مقارنة الأديان الطبعة الثالثة 1967 .
5- د. سعود بن عبد العزيز الخلف دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية الطبعة الأولى 1414 هـ مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية.



[1] - العميد عبد الرزاق محمد أسود ، المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب . ص 222 .
[2] .- د. محمد ضياء الرحمن الاعظمي ، دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند ص 470 -471
[3] - أحمد شلبي مقارنة الأديان ص 144.
[4] - لوقا 9 : 23 الكتاب المقدس
- محمد ضياء الرحمان الاعظمي دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند .[5]
- أحمد شلبي مقارنة الأديان ص 146 .[6]
- العميد عبد الرزاق محمد اسود : المدخل إلى دراسة الأديان ص 224 .[7]
 ص 5. IBS - الإنجيل كتاب الحياة 1982 – [8]
- د سعود بن عبد العزيز الخلفي دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص 233[9]
- الإنجيل كتاب الحياة [10]
- د. سعود بن عبد العزيز الخلف  دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص .233[11]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق