الأحد، 17 يونيو 2012

سلسلة التعريف بالمسيحية (2):يوحنا صاحب الإنجيل. إعداد: كريـمة نور عيساوي.

 اقرأ رفقته:

ماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان

يوحنا صاحب الإنجيل.

إعداد: كريـمة نور عيساوي

يوحنا יוחנן يوحانون معناه الله يتحنن، وبالإنجليزية هو John  وبالفرنسية           Jean ويُعرف أيضا بيوحنا الرائي والحواري الحبيبL’apôtre bien-aimé. وهو ابن زبدي  Zébédé(أو سبذاي حسب تعبير ابن حزم) نسبة إلى أبيه. أما أمه فهي سالومي Salomé، وله شقيق يدعى يعقوب الكبيرJacques le majeur. وهما الاثنان من الحواريين الاثنى عشر[1]. ولا تستبعد الكثير من المصادر احتمال وجود علاقة قرابة بين يوحنا والمسيح عليه الصلاة والسلام. بل إن البعض منها يعتبر سالومي أختا لمريم العذراء، وذلك استنادا إلى ما جاء في إنجيل متى (20: 20-23) من حديث عن سالومي التي تقدمت إلى المسيح وطلبت منه أن يجلس ولديها أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله في مملكته. هذا بالإضافة إلى أن المسيح نفسه عهد بأمه مريم عند الصليب إلى يوحنا بن زبدي.

كان يوحنا يمتهن الصيد في بحيرة جنسارات بحيرة طبرية لأن عادات اليهود كانت تقضي آنذاك على أولاد الأشراف أن يتعلموا حرفة ما[2]. ولابد من الإشارة إلى أن يوحنا كان من تلاميذ يوحنا المعمدان قبل أن يصبح واحدا من حواريي المسيح الاثنى عشر. وهو من القديسين الكبار بالنسبة لمعظم المسيحيين. فالكنيسة الكاثوليكية تعيد له في 27 ديسمبر/ كانون الأول. أما الكنيسة الارثدوكسية فتعيد له في 26 سبتمبر/ أيلول.
إن موقع يوحنا البارز بين الحواريين الإثنى عشر جعله يشهد مجموعة من الحوادث المهمة رفقة بطرس وشقيقه يعقوب منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا حادثة إقامة المسيح لإبنة أحد رؤساء اليهود من الموت.
ثانيا حادثة تجلي المسيح على الجبل.
ثالثا حادثة الآلام في بستان جثسيساني.
والحقيقة أن الأهمية التي يحتلها يوحنا في تاريخ المسيحية تتمثل في أنه كان هو وبطرس الوحيدين اللذين بعثهما المسيح إلى المدينة لتحضير عشاء الفصح المعروف بالعشاء الأخير. وحين عادا كان يوحنا يجلس بجانب المسيح، متكئا على صدره. وقد تتبع مع بطرس المسيح بعد القبض عليه وأخذه إلى بيت رئيس كهنة اليهود. وكان الوحيد الذي تواجد عند أقدام الصليب. وهو من الأوائل الذين آمنوا بقيامة المسيح، وكان من السبعة الذين ظهر لهم المسيح على شاطىء بحيرة جنيسارات. وبعد صلب المسيح زُج بيوحنا في السجن لتبشيره بالمسيح. وعقب خروجه من السجن هاجر إلى آسيا الصغرى، واستقر بأفسس صحبة مريم العذراء، واعتنى بها حتى وافتها المنية. وبعد ذلك عاد إلى أورشليم سنة 51م ليحضر مجمع الرسل، والتقى بأعمدة الكنيسة[3] بطرس ويعقوب الصغير والرسول بولس الذي ذكر ذلك في رسالته إلى الغلاطيين.
أعمال يوحنا
يُعتقد بأن يوحنا هو كاتب خمسة أسفار من العهد الجديد.
-                   إنجيل يوحنا
-                   رسائل يوحنا الثلاث (الرسالة الأولى والرسالة الثانية والرسالة الثالثة).
-                   سفر الرؤيا.
إنجيل يوحنا: تاريخ تدوينه
اختلف النقاد حول تاريخ تدوين يوحنا لإنجيله. الرأي الأول يرى أن يوحنا كتب إنجيله قبل سنة 70م أي بين 65م و80م. في حين ذهب الرأي الثاني إلى القول بأن تاريخ التدوين كان بعد سنة 90م أي بين 90م و120م. أما الرأي الثالث فيزعم أن التدوين كان بعد 175م[4].
مكان التدوين
تفيد كتب التقاليد أن يوحنا كتب إنجيله في مدينة أفسس إحدى مواطن الحضارة اليونانية عندما كان رفقة مريم العذراء. وهذا هو الرأي الأرجح[5]. أما الأب أفرايم السرياني فيؤكد أنه كُتب في أنطاكية بسوريا. وهناك من الدارسين من ذهب بالقول أنه كُتب في الإسكندرية.
لغة الإنجيل
لقد جاء أسلوب إنجيل يوحنا من حيث اللغة اليونانية الأقل تأثرا باللغة الآرامية. وأسلوبه بصفة عامة يتسم بالبساطة في التراكيب. مع الثراء على مستوى الاصطلاحات. فقد ترجم كل الكلمات الآرامية والعبرية إلى اليونانية.
فكر يوحنا
ليوحنا في إنجيله نية لاهوتية[6]: يسوع ابن الله مقدما أقوى الشواهد على ألوهية ابن الله «والكلمة صار جسدا وحل بيننا»(يوحنا 1: 14) ولإقناع اليهود والمسيحيين المترددين خوفا من المس بوحدانية الله، ومن الوقوع في الإشراك عمد يوحنا إلى الاستشهاد بآيات من "العهد القديم" والتقاليد الليتورجية اليهودية وكذا الأعياد حتى يصل بهم إلى الإيمان. فموسى نفسه كتب عن المسيح، وما العناصر الواردة في "فصح" اليهود سوى مقدمة تأخذ معناها في إنجيل يوحنا. لذلك كان الهدف الأساسي لإنجيل يوحنا هو دحض البدع المضلة التي كان فسادها قد تسرب إلى الكنيسة، والتي كان يروج لها الدوكينيون والغنوصيون والأبيونييون.
فقد ذهب الدوكينيون والغنوصيون إلى أن جسد المسيح لم يكن جسدا حقيقيا. في حين ادعى الأبيونيون أن المسيح لم يكن كائنا قبل مريم أمه. كما أنكر الكيرنثيون لاهوته. لهذا كانت غاية يوحنا هي إثبات لاهوت المسيح. «أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولتكون لكم إذا آمنتم حياة باسمة» (يوحنا 20: 31 ).وإنجيل يوحنا هو إنجيل التاريخ، فهو يتتبع حياة المسيح بشكل دقيق لما فيها من عبر ومواعظ. إن المسيح هو نفسه يسوع القائم من الموت والحاضر الآن في الكنيسة من خلال الأسرار. هكذا أراد يوحنا المسيح.
كما اعتمد يوحنا في إنجيله على مجموعة من الأفكار الأساسية منها إظهار مجد يسوع من قبل الآب. إذ أن حياة يسوع ورسالته تختصران في هذه الآية:          « مجدتك في الأرض فمجدني أيها الأب» (يوحنا: 8-50). فهذا المجد هو صدى مجد الله في العهد القديم[7]. إذ أن المسيح أزلي المولد فهو مولود قبل كل الدهور «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن »(يوحنا1و85:8) وانجيل يوحنا له ارتباط وثيق بمعظم أسفار "العهد القديم" فقد تطرق لبعض آباء الشعب العبراني نظرا للمكانة التي يحتلونها في التقوى اليهودية (يعقوب، إبراهيم، موسى...).
من الملاحظ أن الإنجيل الرابع يصف المسيح عليه السلام باعتباره موجودا إلاهيا فهو "اللوغوس"[8] أي حسب الفكر الافلاطوني الوسيط بين الخالق والمخلوقات وتعدى ذلك ليجعل المسيح إلاها مستخدما في ذلك تطبيقات نظرية الفيض. واستعمل أيضا كلمة "الفارقليط" المستعملة في كتابات فيلون السكندري أكبر فلاسفة العصر الهلنسي.
ولترسيخ هذه الفكرة ضمن انجيله مجموعة من المعجزات نورد البعض منها:
-                   تحويل المسيح الماء خمرا
-                   شفاؤه المريض في بركة بيت حسدا
-                   شفاؤه ابن خادم الملك
-                   والأعمى في بركة سلوام
-                   اقامته لعازر من الموت
-                   حديثه مع المراة السامرية
-                   ظهوره بعد قيامته لتلاميذه على بحر الجليل

ويتميز إنجيل يوحنا عن الأناجيل الثلاثة الأخرى التي تُسمى "المتشابهة" Synoptique بكونه لا يذكر شيئا عن ولادة المسيح، ولا نسبه، ولا طفولته. ويكثر من ذكر زيارة المسيح لأورشليم مما يوحي بأن دعوة المسيح دامت ثلاث سنوات وليس سنة واحدة كما تزعم الأناجيل الأخرى.

إنجيل يوحنا في ضوء الدراسات الكتابية الحديثة
 إن إنكار الإنجيل الرابع، وإنكار ما أسند إلى يوحنا من بقية أسفار العهد الجديد ليس وليد الدراسات الكتابية في العصر الحديث. فهذه الفكرة تعود في الأصل إلى أواخر القرن الثاني الميلادي حينما تعالت بعض الأصوات المسيحية التي شككت جملة وتفصيلا في نسبة هذه الإنجيل والرسائل الأخرى إلى يوحنا، وكان لها اعتقاد راسخ بأن هذه الإعمال كلها من تأليف أشخاص آخرين. وفي العصر الحديث صار هذه الإنجيل موضوعا لقراءات نقدية عديدة. ومن ذلك ما جاء في دائرة المعارف البريطانية التي تقول ما يلي: « لا مرية في أن مؤلف إنجيل يوحنا شخص آخر غير يوحنا بن زبدي الحواري المشهور. وقد ادعى مؤلفه في متنه أنه هو يوحنا الحبيب إلى المسيح. فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها. وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا. وإن الذين يحاولون أن يربطوا ولو برابطة واهية بين ذلك الفيلسوف الذي ألف هذا الكتاب في القرن الثاني من الميلاد وبين الحواري يوحنا الصياد الجليل لن يجدوا لمحاولتهم هذه أي سند وستذهب جهودهم أدراج الرياح»[9].
المراجع
الكتاب المقدس

عرفان عبد الحميد فتاح: النصرانية نشأتها التاريخية وأصول عقيدتها، دار عمار، عمان، 2000
علي عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، 1964
وفاء فرحات: موسوعة الأديان، الديانة المسيحية، دار اليوسف، بيروت، 2005
بطرس عبد الملك وآخرون: قاموس الكتاب المقدس، مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، بيروت.
Danielle Fouilloux et autres : Dictionnaire culturel de la Bible, éd Cerf Nathan, Paris, 1990
Philippe Gaudin et autres : Les grandes religions, éd ellipes, Paris, 1995


[1] الحواريون الإثنى عشر هم السابقون الأولون من أتباع المسيح وأكثرهم ملازمة له، ويُطلق عليهم كذلك اسم الرسل، وهم بطرس وأخوه أندراوس ويوحنا وأخوه يعقوب الكبير ويعقوب الصغير بن حلفي وأخوه يهوذا ومتى وطوماس وفيليبس وباثولماوس وسمعان النشيط أو الغيور ويهوذا الأسخريوطي.
[2] بطرس عبد الملك وآخرون: قاموس الكتاب المقدس، مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، ص 1109
[3] انظر المرجع السابق، ص 1109
[4] علي عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، 1964
[5] انظر قاموس الكتاب المقدس، ص1109
[6] وفاء فرحات: موسوعة الأديان، الديانة المسيحية، دار اليوسف، بيروت، 2005، ص150

[7] انظر قاموس الكتاب المقدس، ص 1111
[8] عرفان عبد الحميد فتاح: النصرانية نشأتها التاريخية وأصول عقائدها، دار عمار، عمان، 2000، ص 36
[9] انظر الأسفار المقدسة في الأديان السابقة في الإسلام، ص 67-68

هناك 3 تعليقات:

  1. من أحسن ما قرأت عن إنجيل يوحنا في الكتابات العربية، ما كتبه الدكتور يوسف الكلاّم أستاذ مقارنة الأديان بدار الحديث الحسنية في أطروحته للدكتوراه والمطبوعة بدار صفحات سنة 2009، حيث خصص مبحثا كاملاعنونه بنقد إنجيل يوحنا، يضم ثلاثة مطالب عن إنجيل يوحنا وما عرفه من نقد، فقد عرف في المطلب الأول بالقديس يوحنا، وتحدث في المبحث المطلب الثاني عن اللوغوس (الكلمة) وفي المطلب الثالث عن مصادر إنجيل يوحنا. وكان اعتماده في ما ذكر على مراجع مسيحية وأجنبية مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر، كتابات ولفريد هريتون، وماري جوزيف لاكرانج، ورشار سيمون وغيرهم، يمكن الرجوع إلى أطروحته: تاريخ وعقائد الكتاب المقدس بين إشكالية التقنين والتقديس دراسة في التاريخ النقدي للكتاب المقدس في الغرب المسيحي، تقديم الدكتور عبد المجيد الصغيّر، دار صفحات الإصدار الأول 2009، من ص: 211 إلى 234

    ردحذف
  2. من أحسن ما قرأت عن إنجيل يوحنا في الكتابات العربية، ما كتبه الدكتور يوسف الكلاّم أستاذ مقارنة الأديان بدار الحديث الحسنية بالرباط في أطروحته للدكتوراه والمطبوعة بدار صفحات سنة 2009، حيث خصص مبحثا كاملا عنونه بنقد إنجيل يوحنا يضم ثلاثة مطالب عن إنجيل يوحنا وما عرفه من نقد، فقد عرف في المطلبة الأول بالقديس يوحنا، وتحدث في المبحث المطلب الثاني عن اللوغوس (الكلمة) وفي المطلب الثالث عن مصادر إنجيل يوحنا. وكان اعتماده في ما ذكر على مراجع مسيحية وأجنبية منها على سبيل المثال لا الحصر، كتابات ولفريد هريتون، وماري جوزيف لاكرانج، ورشار سيمون وغيرهم، يمكن الرجوع إلى أطروحته: تاريخ وعقائد الكتاب المقدس بين إشكالية التقنين والتقديس دراسة في التاريخ النقدي للكتاب المقدس في الغرب المسيحي، تقديم الدكتور عبد المجيد الصغيّر، دار صفحات الإصدار الأول 2009، من ص: 211 إلى 234

    ردحذف
  3. يوحنا إنسان مؤمن وعاش موحدا ولقد ذكر الله الحواريين في القرآن سورة آل عمران «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(52:3) أما هاته المقتطفات من الإنجيل المحرف التي تم الاستشهاد بها لا تمت له بصلة كمثلا «أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولتكون لكم إذا آمنتم حياة باسمة» (يوحنا 20: 31 )، كل هذا لاغ و لقد تم تحريفه ويشير القرآن لهذا التحريف في سورة الكهف «وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا القرآن» (4:18)

    ردحذف